السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

عطسة عابرة للقارات

في الوقت الذي كان العالم منهمكاً بالحديث عن الانتشار النووي والصواريخ العابرة للقارات ومخاطر الانبعاث الحراري، بعثت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم برسالة، مفادها، أن مصير الإنسانية أكثر ترابطاً مما نعتقد، وأن عطسة واحدة في أحد أسواق «ووهان» الصينية قادرة على الوصول إلى جميع أركان الأرض.

رسائل «كورونا» السياسية والإنسانية لا تنتهي، فقد استطاعت الصين أن تضرب مثالاً للعالم في قدرتها الهائلة على هزيمة الفيروس بالعلم والإدارة والإرادة والتناغم الاجتماعي، وهو النموذج الذي سعت بعض الدوائر الغربية لتشويهه بدلاً من الإشادة به، حيث بررت بعض الصحف والمؤسسات الغربية، فشل أوروبا في مواجهة كورونا أسوة بالصين، بالقول: إن السلطات الصينية «قمعت كورونا» ولم تقم باحتوائه، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلاً ساخراً في هذا السياق مفاده: هل نحن بصدد الحديث عن إطلاق جمعيات للرفق بالفيروسات قريباً؟

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي نكتة عابرة للحدود، تحمل في طياتها مغزى كبيراً في هذا التوقيت العصيب الذي أعاد الاعتبار لقيمة العلم أمام تصدع الخرافات، وتقول النكتة الطريفة التي سرت سريان النار في الهشيم بأن: باحثة بيولوجية ردت على المطالبين بإيجاد لقاح لفيروس كورونا بالقول: «تمنحون للاعب كرة قدم مليون يورو شهرياً وللباحث البيولوجي 1800 يورو، وتبحثون عن العلاج الآن؟ اذهبوا لرونالدو أو ميسي ليجدوا لكم اللقاح».


وتعيدنا النكتة السابقة لواقع دراماتيكي حقيقي، حيث تختل قائمة أولويات دول العالم، والتي سرعان ما تقفز أمامها الحقائق المُرَّة في الأوقات العصيبة، كما هي الحال مع كورونا، الذي يعده البعض الجائحة الأكثر خطراً التي تجتاح العالم بسرعة الضوء، والتي لم يسبق لها مثيل، إلا عندما اجتاحت العالم في عام 1918 جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت حوالي 100 مليون إنسان، بنسبة وفاة تعادل نسبة كورونا اليوم من 2 إلى 5%، والغريب أن الصين كانت الأقل تأثراً بالفيروس، وكان معظم ضحاياه من فئة الشباب على خلاف فيروس كورونا!


والتوقف عند جائحة الإنفلونزا الإسبانية، يجعلنا نتأمل قليلاً في المواقف التي توصف بالباردة للدول الأوربية إزاء كورونا، وخصوصاً تلميحات بعض الحكومات الغربية المتعلقة برهانها الغريب على حصول رعاياها على مناعة تجاه كورونا نتيجة الإصابة به بدلاً من مواجهته، وهنا تقفز للأذهان مباشرة إحدى النظريات التي تقول: إن نجاة كبار السن من جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918 على خلاف الشباب، جاء نتيجة للمناعة التي اكتسبوها من إصابتهم قبل ذلك جراء إصابتهم بالإنفلونزا الروسية عام 1889!