السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

من أحسن القراءة.. نال البراءة

من أجاد القراءة نال البراءة، والقراءة التي أعنيها هي قراءة المعنى لا قراءة المبنى، هي الاستقراء وما يسمى في القرآن الكريم بالتدبر، والتدبر هو قراءة ما وراء النص لا قراءة النص نفسه.

ومشكلة هذا العالم أنه لم يجد حتى الآن قراءة لوباء كورونا، ولا يزال العامل الاقتصادي هو الفوقي في نظرة العالم لكل الأمور، العالم لا يزال يرى أن المال هو الحل الوحيد لأي مشكلة، تخصيص المليارات والتريليونات لمواجهة فيروس كورونا، ونشاط واسع لتجار الأزمات والمستثمرين في الموت، وصراع محموم بين دول وشركات أدوية للفوز بصفقة اختراع واكتشاف علاج ودواء للوباء، وليس بعيداً أن اللقاح والعلاج تم اكتشافهما فعلاً، وينتظر تجار الأزمة استفحال الوباء حتي يبيعوا الدواء واللقاح للعالم بالمليارات، وساعتها سوف تتسابق الدول على الشراء بأي ثمن.

العامل الأخلاقي لا وجود له في هذا العالم المتوحش والشعور الجمعي بالمسؤولية غائب تماماً وكأننا في (بروفة) ليوم القيامة، حيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، العالم تحكمه أداة الاستفهام (كم) لذلك لا نعرف لماذا وماذا وكيف، (كم) هي صاحبة البطولة المطلقة في الفيلم العالمي المرعب، بكم تبيع موقفك...؟ بكم تقتل وتدمر وتخرب؟ بكم تتنازل عن شرفك وكلمتك ورأيك؟


وفي هذا العالم ليس هناك خلاف حول أن نبيع أو لا نبيع ولكن الخلاف دائماً على الثمن، بكم نبيع...؟ وعندما هجم فيروس كورونا على هذا العالم راح يضرب بقوة، ويركز ضرباته على الدول التي أعلت شأن العامل الاقتصادي على العوامل الأخلاقية والعقيدية والإنسانية، وهي فتنة كبرى لن تصيب الذين ظلموا خاصة بل ستدمر في طريقها ملايين المظلومين والمسحوقين الذين ارتضوا الظلم وصفقوا له وأيدوه، وارتضوا الإرهاب وناصروه وتربحوا من الدم والموت.


المسألة الآن هي ما بعد كورونا وليست كورونا نفسه، فعندما فشل العالم في إعادة صياغة العلاقات الدولية على أساس أخلاقي واكتفى بإدارتها على أساس اقتصادي، تدخّل كورونا بجحافله ليعيد هو صياغة هذا العالم من جديد، لعلنا نتذكر أو نهتدي، فقد أصاب الغرور والعزة بالإثم هذا العالم المادي، وظن أهل الأرض والأقوياء فيها أنهم قادرون عليها، فأتاها كورونا ليقول قوله الفصل (كفى)، وهو أمر له ما بعده بالتأكيد فالجميع مدانون ومذنبون، ولن ينال البراءة إلا من يحسن القراءة.