الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. النهضة حاكمة ومُعارِضة

صراع الصلاحيات في تونس بين السلطتَين: التشريعية والتنفيذية، لا يزال محتدماً، ويعد بالمزيد من التطورات المقبلة، وفي زمن تفرّغ كل الحكومات في العالم لمواجهة تفشي الوباء، طلب رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، «تفويضاً» من البرلمان يمكّن الحكومة من إصدار مراسيم لاتخاذ التدابير المستعجلة، حسب مقتضيات الفصل 70 من الدستور التونسي.

بصرف النظر عن القراءات المُرتابة التي اعتبرت طلب التفويض، سعياً من الفخفاخ لاستغلال الأزمة لنيل صلاحيات إضافية، فإن الأخطر ليس كامناً في تأويل الطلب، بل ينبع من طريقة تعامل البرلمان مع الطلب الحكومي.

لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، صادقت، الثلاثاء الماضي، على النسخة النهائية لمشروع قانون التفويض للحكومة في إصدار مراسيم، وكان اللافت أن النسخة شهدت الكثير من التعديلات على المشروع الأصلي الذي تقدم به الفخفاخ.


قلَّصت اللجنة في مدّة التفويض، لتكون شهراً واحداً، عوضاً عن شهرين وشددت على أن يشمل التفويض مجالات أربعة عوضاً عن عشرة مجالات.


وبعيداً عن التفاصيل الإجرائية والقانونية للجدل المتصل بالتفويض، فإن اللافت، سياسياً، أن الأمر لا يتصل بالتفويض من عدمه، ولو أن الظرف السياسي يقتضي منح الحكومة صلاحيات أوسع لمحاربة الوباء الذي يهدد العباد والبلاد، بل يرتبط بالتحالف «المريب» بين حركة النهضة، بوصفها حزباً حاكماً، مع حزبين من أحزاب «المعارضة»، قلب تونس وائتلاف الكرامة، من أجل التضييق على الحكومة وعلى رئيسها.

هنا تصبح النهضة حزباً حاكماً يتصرف بعقلية الحزب المعارض، فهي تضع قدماً في الحكم وأخرى في المعارضة، بما يمكنها من جني أرباح الحكم في التعيينات والهيمنة، وقطف ثمار الوجود في المعارضة في مستوى ترميم صورتها مع القواعد والأنصار.

يستحضر راشد الغنوشي في هذا النزال القانوني والدستوري المتعلق بالتفويض، الدور الهجين الذي مارسته النهضة زمن حكومتَي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد، حين واظبت على القبوع في منطقة رمادية بين الحكم والمعارضة، وكانت حزباً حاكماً عندما يتطلب الأمر ذلك، وحزباً معارضاً حين تقتضي مصالحها أن تكون كذلك.

أفرغت النهضة مشروع القانون الذي تقدم به الفخفاخ من محتواه السياسي، وحوَّلته إلى ميدان منازلة منفعية، بل قرأت طلب الفخفاخ على أنه محاولة للتوسع في الصلاحيات.

ولأن كل قراءة مرتابة لأي فعل لا تنتج سوى ردود ماكرة، فإن التفويض وما اتصل به من ردود أفعال أكد أن حركة النهضة، وتوابعها، لا تضع الزمن السياسي التونسي الراهن في سياقه الحقيقي، بل تنزّله ضمن مصالحها، لتكون حاكمة ومعارضة في آن.