الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تفاح الإنسانية المحرم

أجرت معي وكالة سبوتنيك الإخبارية مقابلة خاصة للحديث عن إعادة تموضع «الجيوش» في أوروبا أمام أزمة كورونا الجائحة.

طبعاً، في التحضير للمقابلة، قرأت كل ما تيسرت لي قراءته، وانتبهت إلى أن الجيوش لأول مرة في تاريخها ربما، تواجه عدواً جديداً، ليس بشرياً، ولا مرئياً، ولا يحمل أجندة تستهدف أوروبا وحدها، وهو لا يفرق بين أحد.

لفت انتباهي هذا الاستنفار العسكري الضخم، والذي تقف أمامه المعدات العسكرية الضخمة بكل عجز، أنت لا تقاتل بالنار هنا، ولا تستهدف الإنسان، ولا حتى تنهي حياة، بل على العكس، تلك الجيوش «بأفرادها» تحاول أن تحمي الإنسان.. بكل مطلق قيمته.. أليس هذا تحولاً جوهرياً فيما يسمونه بالعقيدة العسكرية؟


تنتشر الجيوش بكامل قوتها للدفاع الحقيقي عن الإنسان، لا لتستهدف حياته، وتلك الجيوش لا تطلق النار (النار بأقصى قوتها لا فائدة منها بالمطلق)، بل تقف بما تملكه من مؤهلات تنظيمية وانضباط منهجي لترتب لنا الحياة في استثنائيتها.


أتساءل الآن: ما هي ضرورة حلف شمال الأطلسي؟ وما هي ضرورة الأحلاف العسكرية وكل اتفاقيات الدفاع المشترك أمام عدو يستهدف الجميع بلا استثناء؟ وما هي قيمة التصنيع العسكري القاتل والفتاك أمام فيروس متناهي الصغر يستهدف أجساد البشر وينتقل باللمس.

حتى الاتحاد الأوروبي اكتشف أن تضامنه هش على الأسس القديمة في التنافس التجاري والتغول الرأسمالي، هناك قواعد جديدة سيفرضها البشر على أنفسهم لاستمرار الحياة، أغلب قواعد اشتباك الإنسان مع الحياة التي اعتدنا عليها صارت وصفات موت.

الجبهة في القتال لم تعد تضاريس جغرافيا وحدوداً وطنية، الجبهات صارت نحن، والمقاتلون على الجبهة هم كل تلك الفرق الطبية والمساندة لها التي تواجه العدو ببطولة وشجاعة وإيثار.

تفوق المريول الطبي على البزة العسكرية، والكمامة الطبية تميزت على الخوذة، فالخطر لن يأتي من رصاص ولا شظايا، بل قليل من رذاذ.

فلنتخيل إذن طريقة تفكيرنا بعد انتهاء كل تلك الأزمة (وهي ستنتهي بإذن الله).

هل سنعود للقتال والحروب؟ وهل ستظل تعويذاتنا في دجل الموروثات الغبية أساساً لتفكيرنا أم سنبجل العلم الحقيقي أكثر؟

كيف سيعيد العالم ترتيب «العقيدة العسكرية» لقواته المسلحة؟ ومسلحة بماذا بالضبط؟.. أليس الأجدى تسليح البشر بالعلم والمعرفة التي تنعش الحياة لا تلك التي تفتك بها؟

نحن أمام مهلة كافية، وكافية جداً للتفكير، وربما التكفير عن كل خطايانا كبشر من جديد.

الأرض جنتنا، والشر الكامن فينا هو تفاحها المحرم.