السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

ثمن كورونا الأيديولوجي

ستكون هناك حتماً فاتورة أيديولوجية ستدفعها المجتمعات بسبب وباء كورونا،

فبالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي شكَّلت هذه الجائحة مناسبة لأطروحات قاسية تُسَائل المستقبل، وتُشكِّك في قناعات كان الجميع يعتبرها من فلاذ صلب.

أزمة كورونا وضعت على المحك آليات التضامن الأوروبي، سواء في وتيرتها الاستعجالية، كما جسدت ذلك نداءات الاستغاثة التي أطلقها الإيطاليون في بداية المحنة وقوبلت بآذان صمّاء، أو على مدى البعيد عندما رفضت بعض الدول تقاسم عبء الديون المشتركة في إطار خطة المساعدة تجاه الأعضاء الأكثر تضرراً، من جهة أخرى تلقى النموذج الاقتصادي الأوروبي ضربة موجعة في عمق مصداقيته، إذ فجأة اكتشف المواطن الأوروبي أن أمنه الطبي مرتبط أساساً بمقاولات صينية وآسيوية، وأن نخبه السياسية والاقتصادية ـ في غمرة بحثها عن أرخص كلفة مادية وبشرية ـ منحت الصين مفاتيح احتياجاتها الطبية وبقيت يتيمة ومحرومة.


ويكفي أن هذا الوباء انفجر فجأة بهذه القوة حتى اكتشفت أوروبا أنها لا تملك زمام أبسط الحاجيات مثل الكمامات والمعدات الطبية الضرورية لمواجهة تداعياته، وحماية مواطنيها.


المرحلة المقبلة ستحمل عنواناً اقتصادياً مهماً، وهو: إعادة توطين الصناعات الحيوية على التراب الأوروبي، والتخلي عن الحلم الآسيوي، الذي فرضته ظروف عولمة محركها الأساسي البحث المستميت عن أرخص آليات الإنتاج والتوزيع، وما يتبع ذلك من مراجعات أليمة أيضاً اجتماعياً في علاقة المواطن بالقطاع العام وظاهرة العمل عن بعد.

هناك مراجعات حتمية أيضاً على المستوى الأمني، حيث كشف كورونا عيوب المنظومة الطبية الأوروبية، التي كانت تتوقع في سيناريوهاتها المفزعة أن تلجأ منظمات إرهابية إلى استعمال السلاح الكيمياوي ـ الباكتريولوجي.

والصعوبة التي واجهها بعض جيوش أوروبا في إقامة مستشفيات عسكرية بأسلوب استعجالي عكست بطريقة واضحة ومخيفة نواقص لهذه المجتمعات في محاربة الإرهاب والرد المحتمل على أخطر تجلياته، فقد أصبح واضحاً للرأي العام الأوروبي ضعف القدرات الضرورية، التي تملكها الدولة، أو تستطيع تجنيدها بمعالجة أزمة أمنية تطال مختلف شرائح المجتمع.

حتى قبل رفع الحجر والعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية تخيم على الأوساط السياسية والإعلامية ومراكز البحوث الأوروبية، تساؤلات حول نوعية المراجعات الحتمية، التي يفرضها فيروس كورونا ومحنته على هذه المجتمعات.