الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«ميلانشو».. وتجربة المغرب

تحمل مداخلة البرلماني «جان لوك ميلانشو» رئيس الحزب اليساري «فرنسا الأبية» عقب اجتماع الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 28 أبريل الماضي، وهو يشيد بتجربة المغرب في محاربة كورونا، كثيراً من الأسئلة السياسية والثقافية،

لكن قبل ذلك لا بد أن نعرف ما حدث في اجتماع هذه المؤسسة العريقة تاريخياً وسياسياً في أوروبا.

إن المناسبة هي كشف الحكومة الفرنسية عن خطة رفعها للحجر الصحي في 11 مايو المقبل مع تذكيرها بأهم الإجراءات الاحترازية للإنجاح التدريجي للخطة، وباعتبار ميلانشو من أشرس المعارضين للحكومة نبه إلى أن هذه الخطة غير مأمونة، وستكون كارثية على المواطن الفرنسي، لأنها تفتقد شرط الوقاية المتمثل في توفير الأعداد الكافية من الكمامات، وهنا ضرب مثلاً بالمغرب الذي تنبه باكراً إلى هذا الشرط الوقائي لما عمد إلى تحويل معامل النسيج إلى فضاءات لإنتاج الكمامات، وأصبح بمقدوره إنتاج 21 مليون كمامة في الأسبوع، بينما فرنسا حسب تصريح الوزير الأول إدوارد فليب يراوح إنتاجها ما بين 4 و8 ملايين كمامة أسبوعياً.


إن مطالبة ميلانشو للحكومة الفرنسية باتباع النموذج المغربي من داخل الجمعية الوطنية، واستغراب أحد البرلمانيين لاقتراح ميلانشو، الذي رد عليه بأن المغرب يستحق التنويه، يجعلنا نقدم ملاحظتين:


أولاهما، أنه لأول مرة في تاريخ الجمعية الوطنية الفرنسية يتم التنويه سياسياً ببلد عربي حول مسألة حساسة لها صلة بإبداع خريطة عمل لمواجهة أزمة صحية اجتماعية، علماً بأن الغرب قاطبة يحمل في وعيه ولا وعيه احتقاراً مركباً للعقل العربي باعتباره عاجزاً عن المبادرة والابتكار، ويعتقد أن العرب تابعون ثقافياً وتاريخياً له، فكيف إذن، يحدث اليوم أن يكون المغرب طلائعياً في مواجهة هذه الجائحة، والمنتخبون والسياسيون الفرنسيون خاصة المعارضة، يطلبون من الحكومة أن تستدرك عجزها وتأخذ بالنموذج المغربي؟

العبرة، أن هذه الجائحة بصدد إماطة اللثام عن الحقيقة بمعناها «الهايدغيري»، وأنها ليست حكراً على الغرب وحده، إذ قد تكون في المغرب أو الجزائر أو في أي دولة من الدول التي ظل الغرب يحتقرها ويستنزف خيراتها.

يكفي فقط كسر طوق الانتظارية والثقة في المبادرات التي تخلقها هذا الشعوب، التي صنفها الآخر في خانة التخلف والتبعية لقلب المعادلة واحتلالها الموقع الذي تستحقه بعد كد ومثابرة، كما فعلت الصين ودول من آسيا.

ثانيهما، أن المستفاد من تجربة المغرب، هو أن تميزه في مواجهة الفيروس انطلق من حس تضامني عميق، تجاوز منطق الهبات والتبرعات لمساعدة الفقراء والمتضررين، إلى جعل مبدأ السيادة مبدأ شمولياً يتمثل في ذلك التفاعل الجدلي ما بين الدولة والمجتمع، لذلك لم يتم اعتبار الالتزام الإجباري بالحجر الصحي قمعاً وتسلطاً، كما حدث في كثير من دول الغرب وفي طليعتها الولايات المتحدة.

أكيد أن رمزية ما حدث في الجمعية الوطنية الفرنسية، توحي ببداية خلخلة جديدة للحقيقة السياسية والثقافية التي حملتها طويلاً ثنائية شمال وجنوب.