السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

إيران في العالم العربي.. أوراق تلعب ولا تجمع

قبل 5 سنوات أكد مسؤول إيراني سابق هو حيدر مصلحي بأسلوب متبجح ومستفز ما سبق لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن قاله حول تمكن طهران من التحكم والسيطرة على عملية صنع القرار في 4 عواصم عربية هي: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء، مشيراً إلى أن تصريحات نتنياهو تبين مدى تنامي قوة إيران في المنطقة، ومنذراً بأسلوب يحمل نوعاً من التهديد والوعيد بأن التمدد الإيراني في المنطقة باقٍ وسيتمدد إلى جهات أخرى.

كان الشطر الأول من كلام المسؤول الإيراني المذكور صحيحاً، فاللعبة السياسية الجديدة في بغداد التي صاغها بول بريمر لتكون أداة عدم استقرار مؤبد في العراق جاءت بساسة مدينين لطهران كثيراً، ولا يتورعون في التودد إليها حتى قبل أن يصلوا إلى السلطة، متوسلين بركات الولي الفقيه في قم أكثر من مباركة مرجعيَّة النجف.

ولم تختلف الحال كثيراً في دمشق التي كانت تستقبل قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني -قبل اغتياله- استقبال الفاتحين، خاصة قبل التدخل الروسي الذي حجّم كثيراً نفوذ طهران في أرض الشام؛ فيما حزب الله في بيروت يُجاهر علناً بالولاء للولي الفقيه، متحكماً في الوقت ذاته في دواليب السلطة، ينسج تحالفاتها بما يوافق أهواءه، ويصوغ قراراتها بما يخدم مصالحه.

من جهة أخرى، فإن الحوثيين الذين استولوا على صنعاء في غفلة من الزمن ما كانوا ليصمدوا لأزيد من 5 سنين أمام التحالف العربي، بل ويتجاسرون ليوسعوا مجال الصراع إلى أبعد من الحدود السعودية اليمينية بواسطة طائرات مسيرة «الدرون» وصواريخ باليستية، لم يخفوا أنها جزء من الدعم السخي القادم من طهران مالياً وعسكرياً.

هذا التمدد السريع ولَّد لدى القيادات الدينية الإيرانية نوعاً من الغرور جعلها تواصل ما تسميه بتصدير الثورة ونصرة المستضعفين، محاولة استغلال عداء شفوي أكثر منه عملي لإسرائيل سعياً إلى إحراج الأنظمة العربية أمام شعوبها، وبحثاً عن استقطاب موالين ومريدين جدد حتى من داخل الطوائف الإسلامية الأخرى، كما حصل في التحالف الذي أبرمته مع فصائل إسلامية في قطاع غزة.

لكن سرعان ما تبيّن أن كل الادعاءات بشأن دحر إسرائيل، وتبعاً لذلك تحرير فلسطين هي مجرد شعارات فارغة المحتوى؛ لأن إيران بدت عاجزة تماماً هي وكل الميليشيات المرتبطة بها أمام توالي الضربات الإسرائيلية الموجهة لمناطق وجود قواتها وأماكن مصالحها ومراكز تجمع أسلحتها داخل التراب السوري، وفي داخل العراق أيضاً، ناهيك عن آلاف الطلعات الجوية المنتهكة للأجواء اللبنانية.

إن هشاشة إيران وضعفها سيبدوان بوضوح أكثر أثر استئناف الولايات المتحدة الأمريكية لعقوباتها الاقتصادية والمالية ضد جمهورية الملالي وأتباعها من الميليشيات الطائفية في المنطقة، باستثناء الحركة الحوثية لأسباب ترتبط بالاستراتيجية الأمريكية الشاملة للمنطقة، الساعية إلى توظيف الحوثيين لمضاعفة حجم عدم الاستقرار في جنوب الجزيرة العربية أسوة بشمالها، وإبقاء أعصاب جميع الأطراف متوترة.

ولأن حبل الكذب قصير، وأن الشعارات لا تطعم الأفواه الجائعة، وأن قدرة مقاومة الضغوط والحصار محدودة، سرعان ما بدأ التجييش الطائفي الذي أتقنت طهران وميليشياتها توظيفه يرتد عليها، وبدأت الأوراق التي سعت إيران إلى تجميعها على مدى أزيد من 40 سنة للتأثير في المنطقة، وتوسيع نفوذها تسقط تباعاً من بين أيديها.

إن انتفاضتي الشعبين اللبناني والعراقي، وتحميلهما مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية إلى الطبقات السياسية الحاكمة التي هي إما تابعة للنفوذ الإيراني أو تدور في فلكه وفلك ميليشياته، يثبت أن الورقة الطائفية والمذهبية التي اعتقدت طهران أنها مضمونة قد بدأت في الارتداد عليها، لدرجة أن سهام الانتقادات الكبيرة، وكذا التهجمات العنيفة، قد طالت المصالح الإيرانية مباشرة كما حصل عند إحراق القنصلية الإيرانية في النجف، ومصالح كل الميليشيات والقوى السياسية المرتبطة بها أكثر من غيرها.

ولم يكن مستغرباً أن يكون لهذا الارتداد صدى إيجابي في انتفاضات الشارع الإيراني المتوالية ضد نظام العمائم، حيث اتضح أن جزءاً كبيراً من الشعب الإيراني يرفض الأفكار التوسعية التي يسوقها له النظام، ويراها غير مجدية، بل مؤذية له ومستنزفة لقدراته المالية والتنموية، ومسؤولة عن تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. لقد كان شعار «لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء إيران»، الذي رفع في كل الاحتجاجات الشعبية جلياًّ ولا لبْس فيه ضد سياسة التدخل في شؤون الآخرين.

في السياسة الخارجية جميل أن تدخل الساحة الدولية، وبيدك أوراق يمكن اللعب بها ومقايضتها خدمة لمصالحك، ولكن الأجمل هو أن تلعب تلك الأوراق في الوقت والمكان المناسبين.

ففي منطقة ملتهبة الثابت الوحيد فيها هو التغيير المستمر، إذا لم يلعب الفاعلون السياسيون الأوراق الممسوكة بين أيديهم بشكل صحيح، واستخدموها فقط للمناورة والتمويه سترتد عليهم وتتحول عبئاً يثقل كاهلهم.. ينطبق ذلك الآن على إيران، كما انطبق على النظام السوري سنة 2005 عندما اضطر صاغراً إلى الجلاء عن لبنان، الذي ظل ورقة مساومة في يديه على مدى 30 سنة؛ ومن الممكن أن ينطبق على أي نظام آخر لا يتقن فن استخدام الأوراق التي بين يديه.