السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«الحضرنة».. بناء أم هدم؟

أصبح أفراد وقاطنو المدن الجديدة والمستحدثة على أنقاض القديمة والتاريخية، نتيجة التوسع الكبير في الحضرنة المعمارية والاقتصادية والثقافية التي تسببت بتغيير أسلوب ونمط حياتهم، أكثر انعزالية وقلقاً وعرضة للاضطرابات العصبية والضغوط والمشكلات النفسية والاجتماعية رغم مظاهر الرفاه والنعيم البادية.

فقد غدت وأصبحت مقسمة ومشرذمة وعرضة للصراعات دوماً، مكونة من أحياء غنية تتوافر فيها جميع مقومات الحياة من نظافة ومتعة وأمن، ومدارس مثالية وحدائق نخبوية ومرافق خدمية وصحية، فيما تفتقر الأحياء الفقيرة إلى أدنى المقومات السابقة التي يحظى بها الفريق الأقل عدداً والأوفر حظاً، ويمكن ملاحظة ذلك كمثال حي بإلقاء نظرة على ناطحات السحاب التجارية والسكنية الحديثة في مدينة مومباي الهندية، والتي يقابلها آلاف المنازل العشوائية المركبة من الصفيح والخيام، والتي تفتقر إلى الخدمات العامة كالكهرباء والصرف الصحي والمياه، وليس بمختلف عنها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، التي تضج بنقيضي الحياة من عصرية مترفة، وفقيرة معدمة!

عملية الحضرنة، الرأسمالية الطابع، والاقتصادية المتسرعة للمدن والمناطق، قامت باقتلاع الطبقات الشعبية والبسيطة والفقيرة من بعض الأماكن، التي استوطنتها لفترات طويلة وسكنتها عبر أجيال عديدة، فهدمتها وأعادت تخطيطها لإعادة إنشائها وبنائها بحجة المصلحة العامة والتنظيم والاستفادة المثلى من المكان وإلغاء العشوائيات التي توصف بتشويهها للوجه الحضري للمكان، كما تمّ تحسين البنية التحتية وتطويرها، واستغلال المكان لأغراض تجارية أو سياحية ذات طابع عصري، لكنها لم تولِ في الوقت ذاته العامل الإنساني ما يستحقه من أهمية تماثل أغراض التطوير، فتركته بدون تأهيل ساكنيها لحياة كريمة تنقلهم على الأقل للطبقة المتوسطة، أو ضمن نطاق ما فوق خط الفقر والحد الأدنى للأجور والمعيشة، بل قامت بزجهم بأماكن جديدة مستحدثة سريعاً لإسكانهم بشكل عشوائي، لم يتم التخطيط له ليكون توطيناً مدروساً بتأنٍ وبنظرة مستقبلية تضمن عدم بروزه كبؤرة تحمل في طياتها، وتتسبب بظروفهم السابقة ذاتها في أحيائهم التي تم تهجيرهم منها إن لم يكن أسوأ!


العديد من مدننا العربية حديثة نسبياً بمقياس الزمن والنشوء، ومع الطفرة الاقتصادية يتحتم علينا عدم الانجراف صوب الحضرنة المهتمة فقط والحريصة على المظاهر الجمالية والعمرانية غير المدروسة، وإنما مزامنتها مع الأصالة والحفاظ على الهوية الروحية الإنسانية، التي تضمن تماسك المجتمع فيها والعدالة في توزيع الخدمات والتمسك بطابعها الثقافي.