الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التباعد الاجتماعي.. والانفجار المرتقب

مع الخروج التدريجي من الحجر الصحي، وفي غياب علاج أو لقاح لفيروس كورونا، بدا واضحاً لمختلف المجتمعات التي تئن تحت وطأة هذا الوباء، أن الحل الوحيد لمحاربة العدوى هو ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، واحترام مسافة التباعد الاجتماعي.

ولعل ممارسة التباعد الاجتماعي من بين الطقوس الاجتماعية التي أحدثتها موجة هذا الوباء، إذ توقَّف الناس فجأة عن مصافحة وتقبيل بعضهم البعض، في خطوة تهدف أساساً إلى كسر سلسلة انتقال العدوى والقضاء تدريجياً على هذا الوباء.

وفي عز فترة الخروج الحذر من الحجر تغيرت العلاقات الاجتماعية، وأصبحت تمشي على نمط أقرب إلى النفور والحيطة منه إلى التعايش والتقارب الاجتماعي، كما أصبح التباعد الاجتماعي أسلوباً في الحياة، وتحول في بعض الأحيان إلى نفور مبني على انعدام الثقة، واعتبار الآخر مصدراً للخطر يجب تحييده عبر إقصائه من الدائرة المقربة، وقد تنبأ البعض بأن هذه الفترة العصيبة، التي تعيشها بعض المجتمعات الأوروبية قد تتمخض عن توتر غير مسبوق ينعكس على الحركات الاجتماعية بمختلف أطيافها، فهذه الظاهرة الجديدة قد تسهم في توسيع الشرخ بين القوى الاجتماعية المتنافسة وصب الزيت على نار التناقضات المتقدة، ومن ثم قد تجعل من أي فتيل اجتماعي شعلة ملتهبة تتسبب في نوع غير مسبوق من القطيعة الاجتماعية، تهدد مبدأ التعايش السلمي والقدرة على تجاوز واحتواء هذه التناقضات بطريقة سلمية ومتمدنة.


وعلى سبيل المثال لا الحصر، في فرنسا تتحدث أوساط إعلامية وسياسية عن وجود وثيقة مسربة للاستخبارات الفرنسية، تحذر فيها من عودة الحركات الاحتجاجية الاجتماعية بطريقة أكثر تطرفاً وعنفاً بعد نهاية الحجر، مستقوية بظروف الخروج من الحجر تلك الظروف الاستثنائية تتميز عن سابقاتها بكونها منهكة اقتصادياً ومختنقة اجتماعياً، لدرجة تدفع إلى تصورأسوأ السيناريوهات في المواجهة الاجتماعية بين الشرطة وحركات الاحتجاج المتطرف.


هذا التشاؤم يجد منبعه في القناعة الصلبة، التي تولدت لدى الأوساط الأمنية الفرنسية بعدما وثَّقت عودة مرتقبة للتنسيق بين محتجي حركة السترات الصفراء، التي أشعلت الشارع السياسي الفرنسي طوال سنة، وفرنسيين ينتمون لليسار الراديكالي وأقصى اليمين.. كورونا هيأ الأرضية لكسر الحواجز وعبَّد الطريق لمختلف أشكال الانفجار الاجتماعي.