الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. سجال الشرعية والمشروعية

رفع الرئيس التونسي قيس سعيّد من منسوب انتقاداته للطبقة السياسية الحاكمة، وفي القلب منها حركة النهضة بوصفها تقود الائتلاف الحاكم.. قيس سعيّد وصل إلى سدّة الرئاسة بمحصول انتخابي يتألف في قسم كبير منه من أنصار حركة النهضة، لا إيماناً ببرامجه أو بما يمثله من بدائل سياسية، بل كان انتخابه تصويتاً عقابياً لخصمه في الدور الثاني نبيل القروي.

أصر سعيّد، في تصريحاته الأخيرة على التحرك في المسافة الفاصلة بين الشرعية والمشروعية، فانتقد هنات الطبقة الحاكمة، ولمّح إلى أن شرعيتها مهزوزة بحكم النتائج.

المنطقة التي وطأها سعيّد اعتبرت منطقة ملغومة في عُرف النهضة وتوابعها، فكالت له شتى صنوف التهم، وجاءت الردود من قيادات نهضوية اضطرتها انتقادات الرئيس إلى الخروج عن مفردات الرصانة السياسية.


«الشعب قادر على سحب الوكالة ممّن خان الأمانة والوكالة».. هي الجملة المفصليَّة التي شعرت النهضة من خلالها بأنها مقصودة بانتقادات الرئيس.. جملة وفرت للنهضويين يسر الربط بين تذكير الرئيس بأن نواب البرلمان أصحاب وكالة مؤقتة، وبين الدعوات التي اجتاحت فضاءات التواصل الاجتماعي، منادية بحل البرلمان، فكان أن تكفل سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، بالتصعيد، نيابة عن النهضة، بتهديد الرئيس معتبراً أن سعيّد يبرر «دعوات العنف والدم والتمرد ضد مؤسسات الدولة».


الخلاف في حقيقته ليس بين الرئاسة والبرلمان، بل هو في الأصل خلاف بين سعيّد نفسه وحركة النهضة بالتحديد.

في عمق الخلاف بين الرئيس والنهضة إحالة على العوار الذي ينتاب النظام السياسي المعتمد في تونس منذ دستور 2014.. نظام صنعُ بطريقة لا يجوع فيها الذئب ولا يشتكي الراعي، فخرج في صيغة ارضائيَّة للأطراف النافذة وقتها؛ نداء تونس وحركة النهضة، وكان سعيّد دائم الانتقاد لهذا النظام، وتنبأ بما سينتج عنه من تشظيَّات حتى قبل تفكيره في الترشح لرئاسة البلاد.

في عمق الخلاف، تصادم بين عقل يقرأ السياسة بقواعد القانون الدستوري، وبين حركة دأبت على تعبيد طرق هيمنتها على مقدرات البلاد وسيادتها.

لقد اصطدم العقل القانوني الصارم بعقل يستوطن السلطة، ويأبى قبول الاختلاف، ويعتبر كل انتقاد للأداء تهديداً يذكّرُ بسنوات السجون القديمة.

النهضة أحست بأن الرئيس تحول إلى تهديد معاقلها السلطوية من خلال طرح مقارعة شرعيتها الانتخابية بمشروعية النتائج، فانتفضت بكل أدواتها وكتائبها الإلكترونية.

لا يحتاج قيس سعيّد إلى أكثر من التفاف، ولو تكتيكي، من القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني، لكي يتحول إلى تهديد حقيقي للنهضة.