الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

الأمية.. عائق ذهني

الأُمِّية من أخطر المعوِّقات الذهنية والفكرية، وهي لا تعوق مَن يعانيها فحسبُ ولكنها أيضًا تعوق المجتمع كلَّه، ذلك أنَّ الأميَّ لا يستطيع أن يُوفِّر التعليم الجَيِّد لأبنائه؛ لأنَّ فاقد الشيء لا يُعطيه، ولقد أثبتت دراسات كثيرة صدرت في أزمنة مختلفة أن أداء الأطفال المنتسِبين إلى أُسَر أمية أضعف بكثير من أداء نُظرائهم المنتمين لآباء متعلمين.

والإنسان الأمِّي يعجز عن أداء الأنشطة الحياتية التي تَتَطلَّب القراءة والكتابة، وقد يَتَعلَّق الأمر بصحته عندما لا يَتَمَكَّن من قراءة تواريخ انتهاء السلع الغذائية والدوائية التي يستعملها أو معرفة مكوِّناتها ومحظوراتها، والأمية فوق هذا كله يَنبوعًا للإرهاب ومَنبَعًا للتطرُّف الفكري والديني وجميع أشكال الجريمة والعنف.

وقد قُدِّرَت نسبة الأميِّين في العالم بـ 750 مليون سنة 2017، وثلثاهم من الإناث، وهذا هَدْرٌ كبير للثروة البشرية ولحقوق البَشَر، وفي منطقتنا العربية تَتَفشى الأمية وتنتشر بشكل مُروِّع، فهذه المنطقة هي الثانية بعد إفريقيا من حيثُ ارتفاع معدل الأمِّيَّة.


فوفقًا لتقرير المنظَّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) 2018م، فإنَّ معدل الأمية في الوطن العربي بلغ 21 %؛ أي أنَّه دون المعدَّل العالمي (13,6 %)، وبتعبير آخر، فإنَّه يُوجَد أُمِّيٌّ بين كلِّ خمسةِ عرب! وبحسب هذه التقديرات، فإنَّ نحو 10 % من أمِّيِّي العالَم عربٌ!


وقد يرتفع معدل الأمية بين العرب في السنوات القليلة المقبلة بسبب الأوضاع الراهنة من أزمات اقتصادية وفِتَن وحروب، والآن ظهر فجأةً وباءُ كورونا المستجد الذي لم يكن في الحسبان عند وضع تلك التقارير؛ لذلك يُتوقَّع أن تَتعمق الفجوة بما سيُخلِّفه الوباء من كساد اقتصادي.

بَلْ إنَّنا إذَا استخدمنا المفهوم المعاصر للأمية الذي يتجاوز معرفة القراءة والكتابة ومبادئ الحساب إلى معرفة المهارات الأوَّليَّة لاستخدام الحاسوب والشبكة العالمية (الإنترنت)، فإنَّ عدد الأمِّيِّين في الدول العربية سيرتفع ارتفاعًا مُذهلا.

وللأسف لن يستطيع العرب تعميم التعليم قبل 2050م، بحسب تقرير الألكسو، ولن يتمكنوا من القضاء على الأمية خلال العَقْد الذي خَصَّصوه لمحوها (2015 – 2024)، إذَا اسْتَمَرَّت المؤشِّرات الراهنة على حالها.

ولمواجهة هذه التحديات ينبغي إدراجُ الأمِّيَّة ضمن المعوِّقات الذهنية والفكرية، واعتبارُ الأميِّين مُعوَّقين، بل حالُهم أشدُّ من حال الصُّم والبُكْم؛ لأنَّ هؤلاء مُعوَّقون جِسميًّا أمَّا أولئك فمعوَّقون ذهنيًّا.