السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الثوار المرتزقة.. والأحرار الخونة

في عام 2004 كتبتُ بحثاً مطولاً بعنوان «الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية: جدلية الداخلي والخارجي»، نُشر في كتاب «الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة» الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، تناول هذا البحث دور الاستبداد الداخلي في استدعاء الاستعباد الخارجي، وخلص إلى أن نماذج الاستبداد الشرس مثل حالة العراق وسوريا وليبيا هي من الحالات التي تفقد الإنسان كل قيم الانتماء الوطني، ومن ثم تدفعه لاستدعاء الاستعباد للتخلص من الاستبداد.

والأحرار الخونة على مستوى النخب، والثوار المرتزقة على مستوى الأتباع، أصبح وصفاً يرقى لأن يكون علمياً إذا ما تتبعنا سلوك أولئك الذين يعارضون بكل قوة حكومات أوطانهم، ويرفعون راية العدالة، والحرية، وحقوق الإنسان، ويقاومون الظلم والاستبداد والعسف السلطوي، ولكنهم في الوقت ذاته يستجدون القوى الخارجية، والدول الأجنبية لأن تساعدهم، وتمد يد العون لهم، وتحتل أوطانهم لتخلصهم من ظلم السلطة، ومن عسف الاستبداد، وتقدم لهم الحرية طازجة على أطباق من ذل وهوان.

الأحرار الخونة أصبحوا جزءاً أصيلاً من المشهد الثقافي والسياسي العربي، ولم تعد هناك حساسية منهم، بل يتعامل معهم الجميع على أنهم ناشطون سياسيون، أو قيادات للمعارضة السياسية، أو ثوار، أو نخب حاكمة، في كل الحالات هم ملء السمع والبصر، وفي كل الحالات لا يشكك أحد في شرعية وجودهم، ولا يجرؤ أحد على أن يعارضهم.


بل يتم وصفهم بقيادات المعارضة السورية، أو ثوار 17 فبراير، أو حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، أو الحوثيين في اليمن، جميعهم سعوا لتحرير أوطانهم من استبداد داخلي حقيقي أو متوهم؛ فسلموها لمستعمر أكثر تخلفاً واستبداداً سواء أكان ذلك المستعمر الجديد إيران الملالي، أو تركيا السلطان المعتوه.


نموذج الأحرار الخونة - على مستوى النخب - أسهم في خلق نموذج الثوار المرتزقة على مستوى أتباعهم من الناشطين الثوريين الذي يتبعونهم، ويشكلون الجماهير المؤيدة لهم، والوقود الذي كان يغذي وجودهم في صدارة المشهد السياسي. النموذج السوري يقدم حالة مثالية للأحرار الخونة، الذين قادوا جماعات المعارضة، وقامروا بها في على مائدة أردوغان، وكانوا يظنون أنهم يشكلون بديلاً للاستبداد؛ وأنهم نموذج جديد للديموقراطية التي تحقق أحلام الشعوب. ولكن كانت المفاجأة المذهلة أن تحول أتباعهم إلى مرتزقة في خدمة سيدهم أردوغان؛ لخدمة مشروعه الاستعماري العثماني الجديد.. وبذلك تحول كل ما عرف بالثورة السورية إلى أحرار في مواجهة سوريا، وخونة في خدمة تركيا، وثوار ضد الأسد ومرتزقة في صالح أردوغان.