السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

التَشَكُّل التاريخي.. معضلة أمريكا

تعيش الولايات المتحدة الأمريكية اليوم حالة من التأزّم والاضطراب والقلق الحضاري، قد يؤثّر على تماسك هذه الدولة العظمى التي تعد واحدة من أقوى الإمبراطوريات في التاريخ من حيث القوة والتفوق والتفرد والنفوذ والتحكم بالعالم كله.

وتأتي معضلة التشكّل والتكوين التاريخي لأمريكا من أهم العوامل التي تُلقي بظلالها على مجمل المشهد السياسي والاقتصادي والدولي لها، حيث مرت الولايات المتحدة بـ5 مراحل تاريخية: القرصنة (الغزو) ثم الإبادة للسكان الأصليين، وبعدها الحرب ضد الاستعمار الإنجليزي فالحروب الأهلية، ثم نتجت الدولة وتأسست.

ومن الحالات التاريخية النادرة أن من حارب المستعمر الإنجليزي لم يكن من السكان الأصليين لأنهم أُبيدوا جميعاً، بل من السكّان الطارئين ومعظمهم من الأوروبيين وخاصة الإنجليز.


يقول الأكاديمي الأمريكي جون باتريك هيغنز في مقدمة مقال له بعنوان: «معايير التاريخ الأمريكي» نُشر في مجلة «ذي أمريكان سكولر» the American Scholar: «في غالبية الدول، لا تنفصل دراسة التاريخ عن روح الأمة، أما الولايات المتحدة فإنها الاستثناء، فمادة التاريخ الأمريكي في هذا البلد، كما تدرّس في الكليات والجامعات تعيش حالة من الانفصال، مشوبة بقدر من الكبرياء والحدة».


ويتساءل المؤرخ الأمريكي الأسود وليام دي بوا W.E.B.Du Bois: «هل وجدت أمة واحدة على أرض الله الطيبة وصلت إلى التحضر والمدنية بدءاً من أسفل؟»، وأجاب: «بالقطع لا، كانت الثقافة والحضارة دائماً وستظل أبداً، تقطر من أعلى، من القمة إلى أسفل».

وقد قيل: «إن تاريخ أمريكا خارجي أكثر منه داخلي، فقد حاولت تأسيس تاريخ دولي وعالمي وإمبراطوري لها للتعويض عن إشكالية تاريخها الداخلي».

ولكن ما لا يمكن تجاوزه هو انعكاس هذه المسألة على مجمل المشهد المجتمعي وأزمة الهوية واتحاد وتماسك الدولة، حيث قد ترغب بعض من الولايات في الانفصال إلى كيانات سياسية جديدة إذا لم تقتنع بالحالة الفيدرالية في المستقبل، الأمر الذي يؤرّق صانع القرار السياسي، خوفاً من تفكك الاتحاد إذا ما توافرت السياقات الملائمة والظروف المواتية. وبالنتيجة، فإن معضلة التشكّل التاريخي لأمريكا قضية حاضرة في العقل الباطن لمجتمع العم سام، فمعظم السكان من المهاجرين، كما أن فكرة البحث عن كيانات سياسية أخرى أمر محتمل وربما مرغوب من قبل القاع الاجتماعي للكيان الأمريكي.