السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

التاريخ.. نقش لا يمحى

نشطت في الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة إلى إزالة وتحطيم تماثيل رموز العبودية والعنصرية تجاه المواطنين السود، والمعروف أن هذه التماثيل موجودة في كثير من الميادين بعدد من المدن، فضلاً عن المؤسسات العامة كالجامعات والمستشفيات والمنشآت العسكرية، بل يوجد في الكونغرس 11 تمثالاً لعدد منهم.

ونشط عدد من السياسيين لمساندة تلك الدعوة تملقاً للجمهور أو ركوباً لموجة الغضب النبيل، الذي انفجر فور مقتل «جورج فلويد» مختنقاً تحت ضغط الركبة البيضاء على عنقه، وربما يكون هؤلاء السياسيون انتبهوا لوجود تلك التماثيل بعد عقود من الغفلة، ومن هؤلاء نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب، والخصم اللدود للرئيس دونالد ترامب.

وانتقلت حالة العدوى من أمريكا إلى إنجلترا، فجرى تحطيم تمثال تاجر الرقيق الشهير «إدوارد كليستون» وإلقاؤه في النهر، ما دفع السلطات المحلية لإزالة تمثال آخر في لندن قبل أن تصل إليه الجماهير الغاضبة.


وفي منطقتنا العربية عرفنا هذه الحالة في مصر بعد ثورة 25 يوليو مباشرة، وفي زمن اللواء محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية المصرية جرى رفع تمثال الخديوي إسماعيل ونقله إلى أحد المخازن، بدعوى أنه كان بسياساته المالية سبباً للتدخل الأوروبي في مصر، والذي انتهى بالاحتلال البريطاني، وجرى معه رفع عدد من تماثيل الأسرة العلوية وتم الإبقاء فقط على تماثيل محمد علي وابنه إبراهيم باشا، وفي زمن الإخوان عام 2012، انطلقت الدعوة إلى تدمير تمثال أبو الهول، وكان لافتاً أن الدعوة صدرت عن بعض رموز التشدد، وجرى الاعتداء فعلياً على تمثال أم كلثوم في مدينة المنصورة وتمثال محمد عبدالوهاب في حي باب الشعرية، حيث ولد وتربى، مع عدد آخر من التماثيل بمدينة الإسكندرية، وكانت الدعوة إلى التدمير والاعتداء على التماثيل بزعم أنها «أصنام».


وسياسياً في بغداد، جرى تدمير تمثال صدام حسين لحظة اجتياح الدبابات الأمريكية عاصمة الرشيد وسط تهليل الكثيرين.

إن تحطيم التماثيل لا يشطب ولا يلغي وجود أصحابها عبر التاريخ، فحتى لو أزيلت كل التماثيل في الولايات المتحدة، فلن يمحى من التاريخ أن أمريكا قامت على أساس عنصري ليس تجاه السود فقط، بل أسس عنصرية عرقية وفكرية ومذهبية.

وإن التحدي الحقيقي ليس إزالة تمثال جورج واشنطن وجيفرسون وغيرهما، من الذين يعدون الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، بل إقامة تماثيل لضحايا العنصرية مثل فلويد والعشرات غيره، لتكتمل الصورة والرؤية أمام المواطن، فلا تكون هناك رؤية أحادية للتاريخ.