الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحق.. حين تتجاذبه المطالب

قيل قديماً، لا يضيع حق وراءه مطالب، لكن في عالمنا المجنون اليوم، فإن الحق يتشتت حد الضياع بسبب كثرة المطالبين زوراً به.

فلنوضح:

حادثة جورج فلويد الأخيرة في أمريكا كشفت ظلم ومصادرة حقوق واسعة وضخمة لفئة من البشر تم تمييزهم طوال عقود بشكل أو بآخر، وهي مظلومية تاريخية لها أدبياتها وجذورها الموغلة في القدم، ولم تختف يوماً لا في أمريكا ولا في العالم كله، فالإنسان دوماً هو الظالم الأكبر لأخيه الإنسان.


من المنطقي أن يكون المظلوم هنا وبشكل مباشر، صاحب الحق هو الرجل الأسود، ومن أصول أفريقية تحديداً، وبتحديد أكثر «الأمريكي من أصول أفريقية».


وإن حقه بالمساواة والعدالة والمواطنة كاملة الحقوق ضمن منظومة الدولة الأمريكية دون أي انتقاص من مواطنته هو حقه الشرعي والذي تحاول العنصرية «البيضاء» أن تضيعه وتخفيه.

حادثة فلويد أشعلت ثورة المطالبة بهذا الحق، لكنها وسعت دائرة المطالبين بالحق إلى أبعاد تجاوزت المنطق وأصل المشكلة، مما جعل حقوقاً أخرى تعمل على تركيب نفسها فوق الحق الأصلي بالمواطنة المتساوية للأمريكي من أصل أفريقي، ليصبح هذا الحق مطالباً أيضاً من طرف المثليين جنسياً، ثم اليساريين حد التطرف، والفوضويين الذين يطالبون بإلغاء الدولة، فصارت المطالب الأصلية وهي الحق الشرعي والمتمثلة بمواطنة عادلة ومتساوية أمام القانون، متكالب عليها بتفكيك أجهزة الشرطة بالمطلق، وترك المجتمع يؤمن نفسه بنفسه، وهي انتكاسة خطيرة عن فكرة الدولة، وهي الفكرة التي ارتقت إليها المجتمعات البشرية في تطورها التاريخي الطويل.

تلك الأفكار الراديكالية المتطرفة بالإباحة في كل شيء، والإيمان بالفوضوية حد التطرف، هي الوجه المعاكس في المرآة للأفكار الراديكالية المتطرفة بتقيد الحريات باسم المقدس، أو المتطرفين دينياً، والأخطر أن تلك الصورة المعاكسة والتي تسعى لفكفكة مفهوم الدولة حد تلاشيها من المجتمعات، ضمن نظرية عبثية تؤمن بأن المجتمع قادر على الحركة بطبيعته دون تدخل.

نعم، هنالك حق للأمريكي من أصول أفريقية، كما لكل الأعراق والأجناس بالمواطنة العادلة ضمن منظومة الدولة الأمريكية، واعتداء شرطي «عنصري» فاسد لا يعني التخلص من جهاز الشرطة الذي يمثل يد العدالة والقانون في أي مجتمع مدني، يد فولاذية محكومة ومضبوطة بشدة من قبل القانون والتعليمات التي يضعها المجتمع نفسه بدون تمييز.

دوماً، في أي أزمة مجتمعية كبيرة، هناك ثغرات ينفذ منها متسلقون يتسلقون المطالب فيصبح المطالبون بالحق سبب ضياعه في النهاية.