الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الفساد الأخلاقي.. داء الأمة

اشتهرت عن المؤلف والمسرحي الأيرلندي الكبير جورج برنارد شو أقوال كثيرة، باتت حديث النوادي والمحافل، وقد درس الإسلام بتمعن وعمق، وعبَّر عن آرائه فيه، وقد اشتهرت مقولته عن الإسلام والمسلمين التي قال فيها «الإسلام خير دين، ولكن المسلمين أسوأ الأتباع»، وفي السياق نفسه تحدث الإمام محمد عبده حين ذهب إلى مؤتمر باريس عام 1881، ثم عاد من هناك إلى مصر، وقال عبارته الشهيرة: «ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين.. ولما عدت إلى الشرق وجدت مسلمين ولكننى لم أجد إسلاماً!!».

الحقيقة أن المسلمين اليوم ابتعدوا عن روح الإسلام وجوهره وتشبثوا بظاهره، والسبب الذي تقدم به المسلمون في ماضيهم لم يبق فيهم شيء منه إلا كباقي الوشم في ظاهر اليد، وقد نبه إليه الأستاذ أمير شكيب أرسلان في تأليفه الشهير «لماذا تأخر المسلمون؟.. ولماذا تقدّم غيرهم؟»، الذي صدر عام 1930، فقد صرح فيه دونما غموض وهوادة أن تخلف المسلمين راجع أساساً إلى الجهل وفساد الأخلاق، والجبن واليأس والجمود والرجعية، ونسيانهم ماضيهم وغيرها من الأسباب.

إن أعظم داء ينخر كيان المجتمع الإسلامي هو الفساد الأخلاقي المتمثل في بخس حقوق العباد على مستويات عديدة، بدءاً من المنزل ومكان العمل، والسوق، إلى التعاملات التجارية، والاجتماعية والسياسية، فإذا كان المرء رب الأسرة يقصر في أداء حقوقه نحو أفراد الأسرة من الأولاد والزوجة، وإذا كان تاجراً يبخس الناس أشياءَهم، وإذا كان معلماً لا يؤدي واجباته نحو الطلبة، وإذا كان موظفاً لا يفي بمسؤولياته على المستوى المطلوب، وإذا كان مؤتمناً على أي شيء لا يؤدي حق الأمانة، وإذا كان سياسياً لا يعمل إلا لمصحلته الشخصية.. وهكذا دواليك.


لا نقول هذا حال جميع المسلمين وفي جميع الأماكن، بل هذه صورة عامة للمسلمين على مستوى العالم، لقد فقد المسلمون باعتبارهم أمة تلك الثقة، والقوة الأخلاقية الكبرى التي تميزوا بها في ماضيهم.


من مظاهر انتشار البخس لحقوق العباد بين المسلمين في أماكن العمل، أن مسؤول الإدارة يُدعِّم ويُرقِّي الضعفاء من العاملين بسبب مجاملتهم وتملقهم، على حساب أولئك الذين لا يتملقونه مع أنهم مخلصون للعمل ومتميزون فيه، بل وقد يتربص بهم سوءاً، وأحياناً، يهضم الزميل حق زميله بقبوله منصباً ليس من حقه، بل عرض له ظلماً لاعتبارات دون الأحقية أو الجدارة.

هذه وغيرها الكثير، من مظاهر بخس الحقوق المنتشرة في المجتمعات الإسلامية، إنما هي وباء أخطر من الوباء الحالي.