الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

اختلاط الألوان.. في أوان الإخوان

قبل أن يقفز الإخوان إلى الحكم في مصر منذ 9 سنوات، كانوا ومعهم تيارات أخرى تدور في فلكهم يقولون: «نريد الدولة المدنية»، وكنتُ أتحاور مع كثير منهم وأسألهم عنها، فيقولون: «إنها الدولة التي لا يحكمها العسكر»، وراحوا يهتفون: «يسقط.. يسقط حكم العسكر».

هكذا قالوا، وقال معهم أصحاب دكاكين كثيرة كانت مجرد فروع للإخوان، ولكنها كانت تبيع بضائع أخرى، وتعلق لافتات أخرى تبدو مغايرة، وعندما تمكن الإخوان من الحكم، تنكروا لتلك التيارات التي راحت أيضاً تطالب بالدولة المدنية.

وتحاورت أيضاً مع هذه التيارات، وسألت كثيراً من أعضائها: ماذا تعنون بالدولة المدنية؟.. فقالوا: «هي التي ليست دينية».


وهكذا يرث العرب ويتوارثون مصطلحات وشعارات يتلاعبون بها ويقلبون مضامينها لتوافق أهواءهم... الدولة المدنية ضد العسكرية، ثم الدولة المدنية ضد الدينية، وقد حدث هذا في أقل من عام، وحتى الآن لا أجد تعريفاً واضحاً للدولة المدنية، كما لا أجد تعريفاً واضحاً لمفهوم الحكم العسكري.


وقد تحاورت مع مجموعة من الإخوان حول مفهومهم للحكم العسكري، فلم أجد جواباً ولا شرحاً، وقد انتهى الحوار إلى عراك من جانبهم عندما قلت لهم: العسكر في رأيكم زي ورتب عسكرية، في رأيي أن «العسكرية فكر وعقيدة، سواء انتمى صاحب هذا الفكر إلى الجيش أو لم ينتم. أرى أن حكم الإخوان حكم عسكر أيضاً، وأن الفكر العسكري الذي يحكم ويقود الجماعة، هو نفس فكر العسكريين في الجيوش.. السمع والطاعة في المنشط والمكره.. نفذ الأمر ولا تناقش. أنتم أيها الإخوان حينما تهتفون: يسقط.. يسقط حكم العسكر، إنما تهتفون بسقوط حكمكم أيضاً، فأنتم عسكر بامتياز.. فلديكم ليس مسموحاً أبداً بالتساؤل: لماذا؟.. لماذا صدر الأمر؟ ولماذا ننفذه؟.. ليس هناك سوى السمع والطاعة.. هذا عنوان الإخوان وكل الجماعات الإرهابية التي خرجت من عباءتهم.

الإخوان ليست لهم تحالفات دائمة ولا التزامات مستمرة، فقد تحالفوا مع تيارات تبدو مضادة لهم، لأن هذه التيارات كانت تطمع في تقاسم السلطة مع الإخوان... وانقلبت هذه التيارات على الإخوان بعد أن انفردت الجماعة بالسلطة.. وعادت التحالفات الآن مرة أخرى بعد أن صار الجميع خارج الحكم.

أرى أن ما حدث في الثلاثين من يونيو في مصر كان الاختيار بين عسكر الجماعة وعسكر الوطن.. بين وطن تابع لجماعة، وجماعة تابعة لوطن.. وهكذا اختلطت الألوان، واختلف الأعوان في أوان الإخوان!