الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المكر بالعرب.. وقصاص التاريخ

زعم من حرضوا وهلَّلوا سنة 2003 لتدمير العراق أن الهدف هو «تحريره»، وتحدثوا عن بناء الديمقراطية في بغداد، ولم يتحقق أي شيء من ذلك، فقط تمَّ إسقاط البوابة الشرقية للأمة العربية لتدخل منها إيران، ونجد أنفسنا أمام طائفيَّة بغيضة تنخر في المجتمع العراقي.

ومع حلّ الجيش العراقي نشأ فراغ في القوة، وتهيّأت عدة قوى لتشغله في مقدمتها إيران وتركيا، وما حدث في العراق كان يدفع بحكم الجوار الجغرافي إلى ما جرى في سوريا، حيث يتم تمزيقها بعنف بالغ.

وتكرَّر المشهد بأشكال مختلفة في ليبيا سنة 2011، بتحريض واستدعاء لقوات الناتو بزعم إسقاط العقيد القذافي، وتدخل الاتحاد الأفريقي لإقناع القذافي بحلحلة الأزمة والتخلي عن السلطة، وكانت هناك انفراجة، لكن كان المطلوب قتل القذافي لتختفي معه الأسرار والفضائح، وهكذا فتح باب الدم والثأر، وبدلاً من أن تسلم ليبيا إلى الليبيين، سلمت إلى ميليشيات ومرتزقة الإسلام السياسي، فجرى استدعاء المحتل العثماني في شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، وتحولت ليبيا إلى بؤرة تهديد لعرب الشمال الأفريقي، وهكذا يتم الإطباق علي العالم العربي كله من مشرقه إلى مغربه.


لقد تحول شعار بناء الديمقراطية وإزاحة الديكتاتورية من العالم العربي، الذي بشر به البعض بعد 11 سبتمبر، إلى عملية هدم للدولة الوطنية العربية، وتسليم المنطقة إلى الاستعمار القديم ـ المتجدد، عثماني وفارسي.


هكذا إذن نجد أن الإسلام السياسي كان جواز مرور كل منهما، مع تفاهمات أو تواطؤ دولي على التغلغل في المنطقة، الذي جرى التعبير عنه باسم «الفوضى الخلاقة».

ما يجري ليس هو النهاية، فليس العراق المستهدف وحده ولا سوريا وليبيا فقط، ولم تكن القضية عندهم ديكتاتورية صدام والقذافي، لم يكن أي منهما ديمقراطي ثم انقلب ديكتاتوراً، جميعهم تعامل معهما واستفاد منهما، إنما المستهدف هو الأمة العربية كلها بلا استثناء، إذن لا بد من التصدي لهؤلاء المستعمرين وميليشياتهم.

إن تفكيك الميليشيات بات ضرورياً، لأنها تقوم على أيديولوجيا طائفية ومذهبية، وهي مجموعات مرتزقة تخوض حروباً بالوكالة ضد البلاد العربية، سوريا وليبيا نموذجاً، وهذه الميليشيات صارت معتمدة لدى أطراف دولية بديلاً عن الجيش النظامي الوطني، فضلاً عن أنها تخوض معارك ضده ـ إن كان موجوداً ـ بهدف كسر معنوياته تمهيداً لما هو أبعد من ذلك، وشمال سيناء كان بروفة لذلك، غير أن الجيش المصري تمكن من سحقها.

والحق أن تلك الميليشيات ليست اختراعاً عربياً، فجماعة «بلاك ووتر» في عراق ما بعد صدام، كانت اختراعاً غربياً (أمريكياً) تسلل إلينا، هم مكروا بنا، لكن مكر التاريخ مقبل.