السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

السودان.. هشاشة الدولة

الموقع الاستراتيجي للسودان، وثرواته المتنوعة، وإرثه الحضاري.. 3 عوامل كبرى تجعل منه مركز استقطابات وضغوط خارجية وداخلية قوية، ومن الصعب عليه أن يمتلك الأدوات الحقيقية لمقاومة هذه الضغوط، والتغلب عليها، لقصوره في التخطيط الاستراتيجي منذ استقلاله في عام 1956 وإلى اليوم.

ويعيش السودان مع شعور عميق ودائم بالهشاشة وانعدام الأمن، يدفعه في اتجاهات مختلفة ومتعارضة، تقوده جميعها إلى الانغلاق النابع من الخوف على المصير حتى بين أبنائه.

في الأسبوع الماضي، شهدنا تشديد سلطة صنع القرار لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك، كوسيلة للسيطرة على زمام الأمور، من خلال إقالة مجموعة من الوزراء في أقل من عام، وقد يبدو الأمر سلبياً في ظاهره ولكن مع نظرة عميقة، نرى أن هؤلاء الوزراء يجلسون في مكاتبهم كضيوف شرف، وبدون خطط استراتيجية أو يتخبطون بإصدار قرارات فردية، وهذه كارثة.


قد يتفاقم المشهد قتامة، بسبب غض طرف بعضهم عن الشرعية، التي تشكل الديمقراطية الشكل الأكثر تعبيراً عنها، وربما أيضاً بسبب قيام الحكومة بإجراء تعديلات قانونية جوهرية، هي قرارات لا ينبغي أن يتخذها شخص واحد، بينما كان الخيار الأفضل تركها إلى البرلمان الذي سينتخب بعد الفترة الانتقالية.


في هذا الظرف الاستثنائي، مع التحديات الداخلية المتزايدة، لهذا البلد في مواجهة تشرذم رؤى القوى التي تميل السياسة إلى الفئوية، بمكانيزم غير سلمي لتأجيج الصراعات الداخلية، والتي ستحدث حتماً على أفق المشهد السياسي السوداني، جراء نفاد الصبر ونقص الإرادة وعدم التوازن في الإدارة.

لقد أظهرت الحكومة الانتقالية في البدء ارتباكاً وبعداً عن التوجه الديمقراطي، وبدت قلقة أمنياً، ومعرضة للضغوط القوية، وتضخمت فيها التجاذبات.. ربما نسيت أنها ساحة للممارسة السياسية الديمقراطية، يجب عليها أن تمهد لقيام الدولة المدنية بعد انتخابات دستورية.

الحقيقة أن التحليل الشكلي والكمي للفترة الانتقالية، يظهر اختلال التوازن الاجتماعي السياسي فيها، فكيف يمكن أن يحتمل المجتمع السوداني، الذي لا يزال يدور في نشوة الثورة وفي فترة انتقالية لا يتمتع فيها بأقل مكاسب ثورته؟

عليه، ينبغي ألا يتخذ رئيس الوزراء حمدوك القلق الأمني كذريعة لتبرير شبح الاستبداد لأن المشكلة الأمنية بمعنى سيادة الدولة واستقرارها واستمراريتها ومصداقيتها هي من الشروط الأولى والأساسية لوجود السياسة نفسها، ومن ثم للتفكير الأولي بالديمقراطية والحريات، فالدولة المدنية الاستبدادية لا يمكنها أن تنتج الحريات.