الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حروب الماء.. مقبلة

الحروب منذ نشأتها حتى اليوم لها أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة (عميقة)، والأسباب العميقة غالباً ما ترتبط بالموارد الاقتصادية أو الهيمنة على الأسواق أو التوسع، ومعظمها يتراكم حتى يصل إلى الحد الذي يأتي فيه أبسط حدث فيُشعِل الحرب، والحروب الدولية التي عرفتها منطقتنا العربية في العقود الأخيرة ترجع، بشكل أو بآخر، في أسبابها العميقة إلى النفط، لذلك يمكن تسميتها «حروب النفط».

لكن كثيراً من الاستراتيجيين يرون أن الحروب المقبلة ستكون حول الماء، فالماء العذب رغم أهميته الحيوية للبشر، قد يصبح سلعة نادرة أو عزيزة المنال تتقاتل عليها الدول المتجاورة، واليوم نجد بؤراً كثيرة للنزاعات المائية في العالم حول الأنهار، كما نرى بين باكستان والهند، والبرازيل وباراغواي، على سبيل المثال، والمنطقة العربية حباها الله بموارد اقتصادية ضخمة كالنفط وغيره، لكنها مفتقرة إلى المياه العذبة أو مصادرها، فالعاصمة الموريتانية نواكشط تعتمد في شربها على نهر السنغال (التسمية مشتقة من نهر صنهاجة)، وتعتمد العراق على الفرات كأحد مصادرها المائية الأساسية، ومنبعه في تركيا، وتعتمد مصر والسودان على نهر النيل، ومنبعه في إثيوبيا.

وارتباط مصر بالنيل قديم لخصه هيرودوت بمقولته الشهيرة: «مصر هبة النيل»، قد يكون في ذلك مبالغة، لكنه يحمل كثيراً من الحقيقة، فإذا رجعنا إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أصابت مصر في عهدودها المختلفة من قديم الزمان، والتي دوّنها لنا المقريزي، نجدها جميعها مرتبطة بـ«قصور النيل» بتعبير المقريزي، أي عدم فيضانه، وهذه مسألة معروفة قديماً، حتى كان المصريون القدماء يُقربون لهذا النهر العظيم أجملَ فتياتهم لكي يفيض، وظلت تلك العادة متبعة حتى قضى عليها الإسلام.


والإشكال هو: أن النيل والفرات ينبعان في دولتين أجنبيتين، هما إثيوبيا وتركيا، وهاتان الدولتان تسعيان من خلال سدود ضخمة، لحبس كميات هائلة من المياه عن دول المصَبّ: مصر والسودان والعراق، وهذه المسألة قد تبدو الآن نزاعاً بسيطاً، لكنها في الواقع ليست كذلك، إنها حياة أو موت، فما يمثله النيل لحياة مصر والسودان يمثله دجلة والفُرات للعراق، وما لم يُتوصَّل إلى حل لهذه المشكلات المائية سواء بوساطة إقليمية أو قرار من مجلس الأمن يُلزِم دول المنبع باحترام حقوق دول المصبّ، فإن حروباً مقبلة ستندلع في المنطقة بسبب الماء.