الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لا بصيص نور في ظلام شهود الزور

عندما يرى كل منا أنه وحده على الحق، فإن المحصلة أننا جميعاً على باطل، وهذه آفة هذه الأمة، والرذيلة التابعة أننا لا نرى ألواناً أخرى غير الأبيض والأسود، أنا أبيض وغيري أسود، نحن نردد قول الإمام الشافعي رحمه الله ترديد لسان وقلم لا ترديد فعل وسلوك حيث قال: «رأينا خطأ يحتمل الصواب ورأي غيرنا صواب يحتمل الخطأ».

وبعد مئات السنين قال المفكر والفيلسوف الفرنسي فولتير نفس المعنى بعبارة أخرى: «قد أختلف معك في الراي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك».

الحرية عندنا هي حرية السب والخطأ والتجاوز وليست حرية الرأي، حرية المفلس الذي حدثنا عنه رسول الله صلى عليه وسلم بقوله برواية أبي هريرة: «.. المفلس من أمتي من جاء يوم القيامة وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا..» إلى آخر الحديث الشريف.


وبشكل عام، هناك تجاوز كبير وسوء أدب ظاهر في تسميات كثيرة، مثل: تسمية العلاقة المثلية الشاذة بين الرجال (اللواط) نسبة إلى نبي كريم هو سيدنا لوط عليه السلام، ويبدو أن تركة السب الثقيلة متوارثة في هذه الأمة وكل جيل يأتي يضيف إلى القاموس السيئ إضافات كثيرة، ولأننا جبناء بما يكفي فإننا نقبل إقبالاً كبيراً على السبابين والشتامين ونرى أنهم معارضون شجعان، وقد أسهمت مواقع «التفاصل الاجتماعي» في إثراء هذا القاموس اللعين وحقق أصحاب الألسنة الطويلة والتجاوزات الفجة والأقلام القبيحة أعلى مشاهدات ومتابعات وإعجاب وتفاعل، تماماً كما كان شعراء الهجاء أمثال: جرير والفرزدق والأخطل والحطيئة هم الأشهر والأعلى جماهيرية في العصرين الأموي والعباسي، والضحية دائماً هي الحقيقة التي خرجت من هذه الأمة، ويبدو أنها لن تعود، وكل التيارات المتناقضة أو التي تبدو متضادة يجمعها قاموس السب حتي تلك التي تسمى زوراً التيارات الدينية، الإخوان والسلفيون وكل جماعات الإرهاب الأخرى، لا فرق في السباب بينها وبين الاشتراكيين الثوريين والليبراليين والعلمانيين والملاحدة.


مباراة السب لا نهاية لها، وهي مباراة يفوز فيها الأسفل دائماً لأنه ليس له عرض يصونه ولا شرف يخاف عليه، وهذا المناخ السيئ جعل الكل شهود زور في كل قضايا الأوطان والأمة، ويكاد يكون من المستحيل في ظل التطرف في المدح والتطرف في القدح أن تعثر على شهود عدول، ولا يمكن أن ترى بصيص نور في ظلام شهود الزور.