الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. طيّ صفحة النهضة

مرحلة حكم حركة النَّهضة ليست قدراً تونسيّاً، ولا جدارة فرضتها مقومات تخص شعبية الحركة وبرامجها السياسية، إنما هي فاصلة سياسية رديئة، هي بمثابة إفراز سيء لأزمة عميقة، على ذلك فإن طي صفحة حكم الحركة، بما تعنيه من هيمنة وتمكين ومناورات، ليس أمرا مستحيلا.

ما كشفته أحداث الأسابيع الأخيرة في تونس، أكد أن إيقاف هيمنة النهضة على مقدرات البلاد ومؤسساتها، أمر ممكن، لو توفرت المقومات السياسية اللازمة، يكفي أن تتضافر عوامل المقاومة السياسية، مع سبل التصدي القانوني والدستوري، مع المعارضة الشعبية الواسعة، لكي تعود النهضة إلى حجمها الحقيقي، بوصفها حزبا صغيرا، بخزان انتخابي محدود، مكَّنه التشتت السياسي من الصدارة الانتخابية في المحطات السابقة.

ويكفي أن تلتقي مقاومة سياسية من قبيل ما يقوم به الحزب الدستوري الحر، مع مرابطة الرئيس قيس سعيّد حول ترسانته الدستورية ودفاعه عن صلاحياته، إضافة إلى دعم مدني يؤمنه الاتحاد العام التونسي للشغل، بما يمتلكه من امتداد شعبي كبير، لكي تخرج النهضة من الباب الصغير وتتواضع إلى حجمها الذي تعيه قيادتها.


حجم سياسي محدود يصنع خوفا نهضويا كبيرا أكدته وقائع الأيام الأخيرة في التوتر، الذي شاب تصريحات النهوضويين سواء في الموقف من عبير موسي، أو من الرئيس، أو من حركة الشعب والتيار الديمقراطي والاتحاد العام التونسي للشغل، فضلا عن الاتهامات التي توجهها قيادات «وازنة» صوب دول عربية وخليجية بالتآمر على «الثورة التونسية».


وقف التونسيون على خواء الحركة الإسلامية من البرامج التي يمكن أن تقدم حلولا لأزمات البلاد، وتأكدوا أن النهضة لا تقيم وزنا للانتماء الوطني بل تنتصر لانتماءات عقائدية أكدتها سنوات هيمنتها على الحكم.

ما يجمع القوى السياسية التونسية التي يفترض أن تتصدى للنهضة أكثر مما يفرقها، يكفي إيمانها، المشترك، بالدولة المدنية وبقيم حقوق الإنسان والحريات العامة، لكي تعلن حربا سياسية لتحرير تونس من حكم الإخوان، والخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل، تتمثل في المضي في مشروع سحب الثقة من راشد الغنوشي والإطاحة به من رئاسة البرلمان.

واقع العزلة الذي تعيشه حركة النهضة في تونس، لا ينبئ فقط بالانقسامات الداخلية التي تعيشها، بل أيضا بسعي الأحزاب والمنظمات المدنية التونسية، إلى جعلها حزبا مدنيا يقطع مع ارتباطاته الخارجية، وهو مأزق تعيه النهضة جيدا لأن تحولها إلى حزب مدني يعني افتقادها لأهم وسائلها، التي اتكأت عليها وهي توظيفها للدين في مشاريعها السياسية.. حين تفقد النهضة سلاحها الديني، ستتحول إلى حزب فقير من البرامج، وهو ما يعني اضمحلالها.