الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العراق.. صفحة الماضي

في الأسبوع الماضي، توفي وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم، في نوبة قلبية بسجنه بالناصرية حيث يقبع هناك وقبلها في سجن ببغداد منذ 17 سنة.‬تقلد هاشم مناصب عدة وخاض أكثر من حرب، وكان منصب رئيس أركان الجيش الأقرب إلى نفسه، ولم يرغب بحسب حوار وحيد معه في منصب وزير الدفاع، حتى إنه طلب من الرئيس الراحل صدام حسين الإبقاء عليه في رئاسة الأركان عام 1995.

كان هاشم عسكرياً واقعياً إلى درجة انه أعلن في مؤتمر صحفي عن الوقت التقريبي، وقدّره بـ10 أيام، لوصول الجيش الأمريكي إلى بغداد واحتلالها في مطلع أبريل 2003، وسلَّم نفسه للأمريكان على وعد بأنه سيعامل معاملة أسير حرب قطعوه لوجهاء عشائريين بالموصل.‬بعد سنوات، أصبح الرجل عنواناً للمصالحة الوطنية، وطالبت قطاعات كثيرة من العراقيين، وبينهم سياسيون من طواقم الحكم المختلفة، بإطلاق سراحه، كونه لم يرتكب جرماً خلال خدمته العسكرية وأنه شخصية ذات مقبولية عالية، لكن الأحكام التي صدرت عن المحكمة الجنائية الخاصة التي شكلها الأمريكان كانت غير قابلة للنقض والتخفيف، وضاعت فرصة مهمة لإزالة الاحتقان السياسي الذي اتخذ أشكالاً دموية، في فترات كان الاقتتال داخل المدن وكان تنظيم داعش الإرهابي يحتل ثلاث محافظات.

وتجلت مكانة هاشم الوطنية من خلال الموكب الذي ذهب من الموصل إلى الناصرية، وهي مسافة لأكثر من 600 كم، ليعود بالجثمان مارّاً بـ11 مدينة وبلدة في جنوب العراق، وسط وقوف أهاليها بالتحية للجنازة، ومن ثمّ إرسال وفود عشائرية من الجنوب للتعزية بوفاته، في حين أنّ جنازة نائب رئيس الحشد الشعبي أبومهدي المهندس العائدة من إيران بعد تشييعها مع الجنرال قاسم سليماني هناك، لم تستطع أن تمر بالرغم من أن الجنازة رمزية، وقام أبناء الجنوب بقطع الطريق عليها، ليتم لاحقاً نقلها من البصرة إلى النجف بمروحية حيث دفن هناك.


إن قادة الجيش العراقي الذين هم في السجن الآن، كانوا جزءاً من المؤسسة العسكرية التي تدار من قيادة سياسية جرت إزالتها، ولقد تجاوز هؤلاء سن الـ70، ومكثوا في السجن 17 سنة، ولم يعد الاستمرار في حبسهم حاجة أمنية أو مطلباً من جهة عراقية، وإن الانتقال بالبلد إلى صفحة بيضاء يتطلب قرارات شجاعة تطوي صفحة مريرة لا يمكن أن تظل مفتوحة للأبد.