الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

رئيس تونس.. من بطل إلى لُغوي

ما إن كلف الرئيس التونسي قيس سعيد وزير الداخلية هشام المشيشي، بتشكيل حكومة جديدة، حتى بدأت الآلة الإعلامية الإخوانية بالهجوم على شخص الرئيس، ليتحول الرجل بين ليلة وضحاها من بطل وطني وخيار ديمقراطي نزيه، إلى شخص تنحصر كفاءته في قدرته على التحدث باللُّغة العربية الفصحى وتنميق الكلمات، دون أن تكون له علاقة بالشأن السياسي وآليات الحكم! حركة النهضة في قنواتها العميقة ترى أن تجاهل الرئيس جميع الشخصيات التي رشحتها الأحزاب السياسية لرئاسة الحكومة يسحب البساط من تحت قدمي الحركة، ويمثل انحساراً كبيراً لقوتها، إذ طالما راهنت على نفوذها وقدرتها على توجيه القرار الحكومي، والمجيء بشخص من خارج الصندوق قد يكون العقبة التي تواجهها عقب خسارتها الانتخابات الرئاسية وتراجعها في البرلمان، بعد أن كانت سيدة المشهد خلال الفترة 2011 - 2014.

«النهضة» التي سارعت الجيوش الإلكترونية الحليفة للوقوف إلى جانبها عبر الهجوم المنسق على قيس سعيد والتشكيك في قدرته على حكم تونس، غيَّرت بشكل كلي موقفها من الرئيس، الذي كان قبل أقل من عام «ابن الصندوق الانتخابي» و«خيار الشعب العظيم» و«نتاج الثورة التونسية الحقيقية»، وحين بدأت توجهاته تتعارض مع توجهات الحركة وينحاز إلى الوطن، أصبح بلا تاريخ نضالي ومجرد متلاعب بالألفاظ وصاحب توجهات غير ديمقراطية هادفة إلى تغيير شكل الحكم في تونس.

هم هكذا متلونون لا تعرف لهم توجهاً، مصلحتهم هي البوصلة الحقيقية لمواقفهم، لا مبدأ يضحون من أجله، ولا موقف يثبتون عليه، فلو كانت المبادئ راسخة وثابتة لاحترموا خيارات الشعوب، وقبلوا بالنتائج التي تعكس انفضاض الناس عنهم، أوَلم تحكم النهضة أربع سنوات كاملة.. فماذا قدمت لتونس وشعبها؟ ولماذا لم تستطع إقناع الناخب العادي بأنها الأقدر والأجدر بالحكم؟ فأي حزب يستطيع أن يملأ الدنيا ضجيجاً وعندما تؤول الأمور إليه يظهر عجزه وعقم خياراته، وتكتشف الجماهير أن ما قيل على خشبات المسارح ووسط الميادين ليس أكثر من كلام يغذِّيه التعطش للسلطة والنفوذ.


باختصار، ما يحدث اليوم من هجمة إخوانية على الرئيس التونسي ينطبق عليه قول الفيلسوف الفرنسي فولتير: «المواقف هي خريف العلاقات، يتساقط منها المزيفون كأوراق الشجر»، فبالأمس كان قيس عرَّاب الشعوب وخيارها الديمقراطي، واليوم أصبح لغوياً لا يعرف من شؤون الحكم شيئاً!