الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

النفوذ العالمي للصين

أظهرت التداعيات الخطرة لأزمة جائحة «كوفيد-19» مدى قوة تأثير الصين على المستوى العالمي.

ولنتذكر تلك المقولة الشهيرة: «عندما تعطس أمريكا، يُصاب العالم بالإنفلونزا».. إنها بحق حقبة مضت وولّت عندما كان النفوذ الأمريكي واضحاً في كل أرجاء الأرض.

وأما المقولة الأكثر تطابقاً وانسجاماً مع «القرن الآسيوي الجديد» فسوف تكون كما يلي: «إذا عطست الصين، فإن العالم سوف يُصاب بالالتهاب الرئوي».


وبعد انتشار فيروس «كوفيد-19» على هذا النحو الخطِر، لم يعد في وسع العالم إلا أن ينظر إلى الصين بشكل مختلف تماماً عما سبق.. فكيف سيكون ذلك؟


هناك كثير من المناطق الرمادية الغامضة التي تظلل علاقة دول العالم المختلفة مع الصين، دون أن يعني ذلك أن من الضروري نبذها تماماً أو تجنّب إقامة العلاقات معها.

والشيء المؤكد هو أننا لا نستطيع مواصلة عيشنا من دون الاعتماد على الصين خلال ما تبقّى من القرن الحادي والعشرين على الأقل، إذ لا يزال اقتصادها بعد أزمة كورونا يشكِّل الجزء الذي لا يمكن الاستغناء عنه من الاقتصاد العالمي، وهناك العديد من دول العالم التي تعتمد عليه بشكل تام.

ولا شك أن المواجهة الأمريكية - الصينية، سوف تزداد حدّة خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن المنتظر أن تزداد الضغوط الأمريكية على العديد من دول العالم لدفعها للاختيار بينها وبين الصين، وهذه هي الفترة غير المرغوبة بالنسبة للغالبية العظمى من تلك الدول.

وربما كان اتّخاذ القرار المتعلق بهذا الاختيار أكثر صعوبة بكثير بالنسبة لدول شرق آسيا وجنوب شرقها، لأن الصين موجودة هناك وسوف تبقى، بخلاف الرئيس الأمريكي الذي قد يرحل.

ويمكن تبسيط الأمر أكثر بالنسبة لقراء منطقة الشرق الأوسط لو شرحته بضرب مثالَين مشابَهين عن موقف إيران في منطقة الخليج وموقف تركيا من منطقة البلقان، كما أن موقف روسيا من دول أوروبا الشرقية قد يُشكِّل مثالاً ثالثاً، وفيما لا تزال إيران وتركيا تشكلان قوَّتَين إقليميتَين، تشكلان خطراً على الدول المجاورة لهما بشكل خاص، إلا أن الصين أثبتت أنها تتمتع بمساحة تأثير عالمية أكثر اتساعاً وبُعْداً، وهذا ما أثبتته أزمة كورونا، ولقد أصبح هذا التأثير واضحاً للجميع من دون استثناء.

وما نحتاجه الآن هو التركيز على القوى الآسيوية التي تتحوّط وتوازن مواقفها يوماً بيوم مع مواقف الصين العدائية، في الوقت الذي تتجنب فيه العمل بالقرارات غير المرغوبة التي تفرضها عليها الولايات المتحدة، والتي تطالبها فيها بالاختيار بين القوتَين العُظمَيَين القديمة والجديدة.

ومن الممكن أن تكون اليابان والهند وأستراليا من بين تلك القوى الآسيوية المسالمة ذات المصلحة في تكريس أمن وازدهار منطقة المحيط الهادي - الهندي، من دون أن يعني ذلك أن الدول العربية والشرق أوسطية بعيدة عن هذا الواقع الجديد.

وعلينا أن نتذكر أن المحيط الهندي - الهادي كان المنطقة التي ارتادها البحارة العرب بنشاط.