الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لبنان.. الاحتلال المحلي أسوأ من الأجنبي

ذات مرة من أربعينات القرن الماضي تحدث الزعيم الهندي الأشهر غاندي بالقول إن الاستعمار المحلي أسوأ من الاستعمار الأجنبي.

لماذا نتذكر هذه الأيام تلك العبارة بنوع خاص؟ باختصار غير مخل، ما جرى ويجري في لبنان يذكرنا والعالم من حولنا بأن هناك خللاً جوهرياً يشوب الدولة اللبنانية، تلك الدولة التي لم يقدر لها أن تكتشف وجود نحو 2700 طن من مادة شديدة الانفجار في أحد موانئها، وذلك بسبب تنازع وتشارع السيادة ما بين دولة أضحت رخوة هشة، غير قادرة على إحكام قبضتها على كامل التراب الوطني اللبناني، وبين ميليشيات محلية تقوم مقام المحتل الأجنبي، بل وتعمل أسوأ منه بدون شك.

سؤال الاحتلال الأجنبي والمحلي، ارتفع الأيام القليلة الماضية في أعلى عليين، بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، وقد كانت بالفعل لافتة للنظر للذين تابعوها.

بدا ماكرون مهموماً بشأن لبنان أكثر من كثير من اللبنانيين، لا سيما الطبقة الحاكمة، والنخبة التي طالب اللبنانيون بإسقاطها، وعلا صوتهم في الشوارع: «الشعب يريد إسقاط النظام».

انفجار مرفأ بيروت لم يهشم فقط النوافذ الزجاجية لبيروت ست الدنيا، وإنما شرخ النسيج المجتمعي من أعلى إلى أسفل مرة وإلى أن يشاء الله لقيامة لبنان من رقاده الطويل.

تكلم ماكرون عن الدعم الفرنسي للبنان ولشعبه، بل مضى في طريق أكثر أهمية وهو تعرية الوجوه من أقنعة الزيف والمصالح الخاصة، تلك التي قادت لبنان إلى هذا الانهيار غير المسبوق على كافة الأصعدة، بعد أن كان مضرباً للأمثال، واعتبره البعض «سويسرا الشرق»، من غير مغالاة.

سار ماكرون على الطرقات، وهتف له اللبنانيون من الأعماق، وتحت الضغط النفسي الذي تعرضوا له ذهب بعضهم إلى تعبيرات مجازية حكماً، ولا علاقة لها بالحقيقة، تستدعي فكرة مخملية، تجاوزها الزمن، فكرة عودة الانتداب الفرنسي للبنان.

الجميع يعلم أن هذا قول جاء تحت الإرهاق العصبي والنفسي، ومن جراء المخاوف التي سادت ولا تزال، وأنه ليس لها محل من الحقيقة، وقد كان ماكرون هو أول من رفض هذا الحديث، معتبراً أنه لا يليق بكرامة لبنان المستقل.

المثير والمدعاة للعجب أن الكثير من العقول المصابة بداء التنطع لم تتوقف عند مأساة لبنان الحقيقية والاحتلال المحلي الذي يعاني منه، بل تمترست عند فكرة اللجوء إلى فرنسا كمنقذ ومخلص.

لماذا لم يطرح هؤلاء علامة استفهام عن السبب الذي استدعى مواطنين، ولاؤهم الكامل للبنان، تفضيل الغريب؟ أليس في هذا جرس إنذار يخبرنا بأن سياسات الإفقار والتجويع، وظلم الشعب ونهبه، وامتهان كرامته بقوة السلاح أمر خطير للغاية يؤدي إلى ردات فعل غير محسوبة أو محسومة؟ حين التقى ماكرون الزعامات اللبنانية الثلاث، تحدث الضيف الفرنسي الذي ذهب إلى المرفأ قبل أن يذهب إليه أي مسؤول لبناني، تحدث عن خدمة البلد والاهتمام بالمواطن، والترفع عن تحقيق المصالح الخاصة من أجل الخير العام.

حديث ماكرون ليس حديث محتل، فقد مضى عهد الاحتلال المادي والعسكري للدول، بل كان حديث الناصح والمرشد، فلبنان يمثل علاقة قلبية خاصة بالنسبة لفرنسا، وهي قادرة كذلك على جمع جهود المجتمع الدولي لاستنقاذ لبنان.

غير أن الحقيقة هي أن لبنان لا بد له من الخلاص من المحتل الداخلي، إن أراد النجاة من الفخاخ المنصوبة له على الطرقات.