يقول المفكر الفرنسي إيف لاكوست: «إن الجغرافيا هي آلة لإشعال الحروب»، لكننا كنا نعتقد أن ذلك انتهى بفعل العولمة التي لا تؤمن بالحدود، وتطور تكنولوجيا المعلومات الذي لا يؤمن حتى بالحدود الافتراضية، لكن ما يجري على الأرض يوضح أن الجغرافيا لا تزال سبباً في إشعال الحروب.
فرنسا تعتبر لبنان حديقة خلفية، وترى نفسها صاحبة النفوذ التاريخي الذي لا ينبغي أن يزول، مثل نفوذها في الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا، وتركيا تعتبر لبنان «مرمى حجر» بالنسبة إليها، لقربه من قبرص ومن أراضيها أيضاً، وأن أي وجود أجنبي في غيابها يشكل خطراً قومياً عليها.
وهذه القاعدة تنطبق على الصراعات الدائرة بين مختلف الدول في مختلف النزاعات الراهنة، مثل: ليبيا ومالي وسوريا واليمن، حيث تتدخل عدة دول عسكرياً بسبب الجغرافيا، التي تعتبر إما ظهراً يحميك أو بطنك الرخو.
وربما كثير من الجماعات أو الأحزاب العسكرية ما كانت لتظهر وتتقوى لولا الجغرافيا، فحزب الله مثلاً لعبت الحدود مع الكيان الصهيوني دوراً كبيراً في تقويته وحتى في تسليحه من طرف بعض الدول مثل إيران وسوريا، وربما لعبت الجغرافيا دوراً في الموقف السوري، وجماعة الحوثي في اليمن لعبت الجغرافيا دوراً في تقويتها، وهي القرب من إيران، ويمكن سرد العديد من الأمثلة.
وبالمقابل تلعب الجغرافيا دوراً في الصراع بين الدول، فمعظم الحروب أو النزاعات نشبت بسبب الجغرافيا، مثل الصراع بين الهند وباكستان، وكثير من المقولات اشتهرت لارتباطها بالجغرافيا مثل عبارة: «مسكينة هي الميكسيك لبعدها عن الله وقربها من أمريكا».
لذلك فإن الوطن العربي بجغرافيته سيظل لسنوات محل صراع وتوتر وأطماع، فالقرب من تركيا وإيران وأوروبا، ووجود الكيان الصهيوني، فضلاً عن المضمون الاقتصادي للجغرافيا والمحتوى الأيديولوجي للسكان يجعل احتمال نشوب حروب وارداً على مدار العام، ولن ينتهي ذلك حتى نمتلك قوة الردع التي تعيد التوازن للعلاقات.. لكن هذا يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن.