السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

رسائل فرنسية عبر لبنان

تسبَّبت المقاربة التي اقترحتها فرنسا على اللبنانيين للخروج من الأزمة، في جدل صاخب على المستوى الوطني والدولي، وخيَّم على صفحات الرأي تساؤل عريض: كيف يمكن للرئيس إيمانويل ماكرون أن يسمح لنفسه بالتدخل بهذا الشكل في القضايا اللبنانية عبر اقتراحه بأنه حان الوقت لدفن اتفاق الطائف، الذي نظم الحكم لعقود والتفكير في ميثاق جديد يعبّد الطريق لولادة نظام ديمقراطي مدني عموده الفقري دولة المؤسسات التي تضمن الحريات الفردية والجماعية تحت سقف القانون؟

وهو باقتراحه التفكير في هذا الميثاق الجديد يبعث ماكرون بإشارات تنمُّ على أن فرنسا توصلت إلى قناعة بأن النظام الطائفي المبني على المحاصصة وإن كان ضامناً مرحليّاً للسّلم المدني، فقد تحوّل مع الممارسة إلى منتج مؤسساتي للفساد الاقتصادي والسياسي، الذي ألقى بلبنان واللبنانيين في مستنقع كانت نهايته الاستعراضية المأساوية الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت.

عندما تحدث الرئيس ماكرون عن لبنان سيد وحر بعيداً عن التجاذبات الإقليمية، التي تشل حركته السياسية ونموه الاقتصادي، ذهب البعض في شبكات التواصل الاجتماعي إلى مقارنة هذه الخطوة بتلك التي كان الجنرال شارل ديغول قد قام بها عند زيارته مقاطعة «الكبيك» الفرنكوفونية في كندا مطلقاً صرخته الشهيرة: «عاش الكبيك حرّاً».


الحديث عن السيادة من قلب بيروت المنكوبة هو رسالة واضحة لإيران ووكيلها في المنطقة حزب الله، الذي استحوذ على قرارها السياسي العسكري، واستعمله في أجنداته الإقليمية في سوريا والعراق واليمن.


القراءة الفرنسية، ومن ورائها الأوروبية والأمريكية ترى حالياً أن حزب الله استطاع عبر سلاحه خلق دولة داخل الدولة وتوازنات سياسية داخلية، تنتج وتحمي منظومة الفساد، وأن محاربة هذا السلاح قد لا تكون بالضرورة عبر نزعه بالقوة، بل بتفاهمات سياسية جديدة بين مختلف اللاعبين اللبنانيين.

الدعوة الفرنسية إلى ميثاق جديد، حتى وإن استقبلتها بعض الجهات اللبنانية والفرنسية بمزيج من السخرية والانهزامية، تهدف أساساً إلى إيجاد نموذج سياسي لا يكون فيه الولاء الطائفي هو محرك الحياة الاقتصادية والسياسية، ولا تكون فيه العلاقة مع الخارج هي المحدد الأساسي لطريقة إدارة شؤون الدولة والمجتمع.. ميثاق جديد تريد منه فرنسا والقوى الدولية، التي ستسهر على صياغته واحتضانه إخراج لبنان من نظام الطائفية والتبعية العسكرية لإيران، وإعطاء اللبنانيين فرصة تقرير مصيرهم الداخلي والإقليمي.