السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

اسكتلندا.. والنزعة الانفصالية

كانت واحدة من المفارقات الغريبة في استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، أن يصوت شعب إنجلترا الذي يؤمن ببريطانيا الموحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتصوت شعوب كل من: اسكتلندا وأيرلندا التي تطالب بالانفصال عن بريطانيا لصالح البقاء في الاتحاد، ومن حينها تحركت حثيثاً لدى الانفصاليين الاسكتلنديين طموح إعادة مشروع الانفصال والاستقلال عن بريطانيا.

من اطلع على تاريخ توحيد إنجلترا واسكتلندا يجده تاريخاً طويلاً من الحروب الضارية لأكثر من 500 عام، تداخلت معها أزمات فراغ العرش، والمجاعات والأزمات الاقتصادية والحروب الأهلية في كلا الإقليمين، والصراع الكنسي والإقطاعي، إلى أن تم الاتفاق على الوحدة عام 1707، غير أن الاتحاد الناجح هذا لم يثن عزيمة (القوميين) الاسكتلنديين، الذين استثمروا كل حدث تاريخي لإعادة المطالبة باستقلال بلادهم عن التاج البريطاني.

وفي آخر استفتاء شعبي في اسكتلندا لتقرير مصير الاستقلال عن بريطانيا عام 2014، كانت نسبة التصويت لصالح الانفصال 44.5%، وهي نسبة لم ترجح كفة الانفصال لكنها تكشف مدى قوة الفكرة وتغلغلها، وحسب التقارير الحديثة، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان على غير رغبة من الاسكتلنديين.


يتذرع الانفصاليون الاسكتلنديون بحجج تاريخية منها العرقية الاسكتلندية المغايرة، والتاريخ الاسكتلندي القديم الذي كانت اسكتلندا فيه مملكة مستقلة، وحججاً واقعية منها رغبتهم في الحفاظ على النظامين التعليمي والصحي المتميزين والمجانيين لاسكتلندا المختلفين تماماً عن النظام في إنجلترا، وكذلك الممارسات الاقتصادية المستقلة التي تمتلك فيها اسكتلندا (90%) من حقول النفط في بحر الشمال.


أما أنصار الاتحاد فينظرون إلى محدودية اسكتلندا الحالية أمام بريطانيا، فعدد السكان قليل والموارد محدودة وبريطانيا هي السوق الأكبر للبضائع والعمالة الاسكتلندية، كما أن تأسيس دولة قوية بعملة جديدة يستغرق سنوات طوال لن تكون بريطانيا فيها داعماً لاسكتلندا.

كذلك، فإن بريطانيا لن تتنازل في حال الانفصال عن حصة مرضية من نفط الشمال، وسيكون ترسيم الحدود قاسياً ومؤثراً في حق الاسكتلنديين، ما قد يعيق انضمامهم للاتحاد الأوربي.

النزعات الانفصالية ظاهرة عالمية لم ينجح منها أي مشروع لحد الآن، لأن الرومانسية التاريخية هي العامل المهيمن، والالتفات لمصالح الشعوب يأتي في الدرجة الثانية وربما الثالثة بعد مصالح أصحاب المشروع أنفسهم.