السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

إدمان الحلول الفاشلة

تعاني مجتمعاتنا من مرض ثقافي مزمن، قد صار عادةً اجتماعية وحالةً تاريخيةً تتناقلها الأجيال، وهي أننا نجيد بإتقان، الدخول في المواقف والتحركات والحركات والنشاطات والسياسات، ولكن للأسف لا نعرف كيفية الخروج منها، نلقي فيها بأنفسنا كالقفز في الماء مع علمنا بالسباحة، ولكن لا نستطيع الوصول إلى شاطئ النجاة، أي أننا ماهرون في توريط أنفسنا في أزمات، ومشكلات لم تكن كذلك في نظرنا عندما دخلنا فيها بمحض إرادتنا، بل دخلنا فيها ونحن نشعر بالمهارة والشطارة والفهلوة.

هذا المرض الثقافي تحكَّم في الثقافة العربية والسياسات العربية تجاه قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، دخل العرب في حالة تاريخية كانت صحيحة وصالحة في زمانها، وهي محاصرة إسرائيل ومقاطعتها اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، كانت هذه المقاطعة السياسية الوحيدة إمام العرب في الخمسينيات والستينيات وحتى مؤتمر مدريد في نوفمبر1991، الذي تلا حرب تحرير الكويت وما صاحبها من الضربات الأمريكية الموجعة لبغداد في يناير 1991، وبعد ذلك بدأت المقاطعة السياسية تتآكل تدريجياً، ثم تنهار مع افتتاح مكتب للتمثيل التجاري بدون سابق إنذار أو مبرر في العاصمة القطرية الدوحة 1996.

وبعد أكثر من نصف قرن من المقاطعة لم يسأل أحد نفسه عن الحصاد والثمار والنتائج؟ ولم يسأل أحد عن تغير أو تغيير أشكالها؟ أو استخدام وسائل أخرى لتحقيق الهدف نفسه؟ بل غالب الظن أن الجميع يدعو لها دون أن يعرف الهدف، لأنها، ومع طول الزمن، تحوَّلت إلى هدف في ذاتها، فأصبحت المقاطعة للمقاطعة، بغض النظر عن آثارها على الهدف الأسمى.


دخلنا في المقاطعة ولم نعرف، أو لم نستطع تعديلها أو تطويرها أو الخروج منها، والآن الضفة تم التهامها قطعة قطعة، والقدس أوشكت أن تضيع، والمسجد الأقصى يتم اقتسامه زمانياً تمهيداً لاقتسامه مكانياً، ثم هدمه وبناء الهيكل، والعرب يرفعون شعار المقاطعة الذي لم يُحدث أثراً يُذكر في حياة المجتمع الإسرائيلي، الذي أصبح أكثر المجتمعات تقدماً في الشرق الأوسط.


الواقع يستوجب سياسات أخرى تقوم على تكثيف الحضور العربي: المسيحي والمسلم في القدس والضفة الغربية أولاً، وتكثيف الزيارات، وتكثيف الاستثمار وضخ الأموال في الاقتصاد الفلسطيني، وتشجيع أهل القدس والضفة على استخدام عملة أخرى غير الشيكل، كالدولار أو اليورو أو الدينار الأردني، وخلق حالة اقتصادية واجتماعية جديدة تدفع أبناء القدس الذين هاجروا إلى العودة، وتُمكِّن مواطني الدول التي لها علاقات سياسية مع إسرائيل على الاستثمار والاستقرار في القدس.