الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

فيروس.. زعزع أوروبا

يوم 14 أغسطس الجاري، كنت على وشك ركوب الطائرة للسفر من باريس إلى اسكتلندا لقضاء إجازة تمتد لأسبوع واحد، وفي ذلك اليوم ذاته، قرر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون فرض نظام الحجر الصحي على كل المسافرين القادمين من فرنسا والراغبين في دخول بريطانيا، ويأتي هذا القرار المفاجئ بدافع المخاوف من زيادة انتشار فيروس «كوفيد-19»، ولا شك بأنه كان بمثابة الصدمة الجديدة لكل المتشائمين على طرفي القناة الإنجليزية.

وحتى لو تجاوزنا الحديث حول السجل السيئ لكل من رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي في محاولة إنقاذ أرواح مواطني بلديهما، فإن قرار الحجر الجديد يخبرنا بكثير عن المواقف السيئة والصادمة في العلاقات الأوروبية.

وكان من الواضح أن قرار جونسون والطريقة التي تم إعلانه بها، يعكس عدم الثقة العميق والمتجذّر تجاه فرنسا، وربما تجاه القارة الأوروبية برمتها.


وليس في وسع أحد أن يحكم بما إذا كان هذا الازدراء التاريخي للفرنسيين هو شعور مشترك يتقاسمه الرأي العام البريطاني كله، ولم تكن بريطانيا متحمسة أبداً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها فعلت ذلك من باب المصلحة المطلقة، ولقد اعتادت أن تنظر إلى السوق الدولي على أنه يمثل المنصّة الأكثر ربحيّة للنظام المالي البريطاني، وكان قسم كبير من الرأي العام يشعر بالحنين لعهد الإمبراطورية البريطانية العظمى.


وبقي الشعور السائد بقوة لدى البريطانيين هو أن القناة الإنجليزية كانت أفضل حصن لحماية أمن بريطانيا وقيمها، وكان يُنظر إلى هذا الممر البحري على أنه حامي حمى بريطانيا من الغزو الآتي من الأراضي الأوروبية بدلاً من كونه وسيلة لتوثيق وتعزيز الروابط معها، وهو أيضاً سدّ منيع في وجه الهجرات غير الشرعية والأوبئة، وعامل مهم في الحفاظ على الأسلوب البريطاني في الحياة.

ولا ننسى أن أكثر من 200 ألف فرنسي أغلبهم من الشباب يعملون في منطقة لندن الكبرى، فيما قرر عدد مماثل من البريطانيين كبار السن عيش حياتهم التقاعدية في شمال فرنسا، وبالنسبة لهاتين الفئتين، يمثل إغلاق القناة كابوساً حقيقياً، وسوف يشكل ضربة موجعة للاقتصادين البريطاني والفرنسي معاً، وخاصة لأنه يأتي غداة الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).

وبشكل عام، أثبت النهج المبني على الأنانية الوطنية المطلقة في الحرب على فيروس كورونا، الضعف البنيوي المستشري في هيكل الاتحاد الأوروبي، ولا يمكن للتعاون الدفاعي الاقتصادي والمالي أن ينجح ما لم يكن قائماً على روح التضامن بين أفراد المجتمعات.