السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

طريق القدس يمرّ من أبوظبي

كثيراً ما نشهد أوقاتاً تحدث خلالها تغيرات عظيمة وحاسمة في النموذج والفكرة القائمة، ويُمثِّل الإعلان عن الاتفاق التاريخي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، حدثاً ذا نتائج زلزالية على قضية الشرق الأوسط، وطريقة تأثيرها في النظام السياسي الدولي، ولا شك أن التأسيس المتوقع للعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات، وربما مع بقية دول الخليج والبُلدان العربية الأخرى في وقت لاحق، سوف يُغيّر المشهد السياسي في الشرق الأوسط بشكل عميق.

ومن المتوقع أن يؤثر هذا الحدث المهم في نظرة الدول الصناعية في شرق آسيا نحو منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، وبالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية والصين، فإن هذه الدول ستوفِّر على نفسها كابوس عودة سيناريو «الصدمة البترولية»، الذي كان يتكرر كلما احتدم الصراع العربي الإسرائيلي، وكان يتسبَّب في التوقف عن تصدير النفط، وما يتبع ذلك من افتقار الدول الآسيوية للإمداد بالطاقة الحيوية الضرورية لإنعاش اقتصادها.

وكان الخوف من هذا الانقطاع المفاجىء للإمداد بسبب احتدام الصراع العربي الإسرائيلي، يُشكِّل أحد العوامل التي تُعيق مشاركة اليابان النشيطة في الحركة التنموية لمنطقة الشرق الأوسط، وصحيح أن قطع الإمداد بالنفط بالتنسيق بين الدول العربية المُصدِّرة «أوبك» انتهى منذ زمن بعيد، إلا أن المسؤولين الحكوميين والمديرين التنفيذيين للشركات في اليابان، ما زالوا واقعين تحت تأثير ذكريات عدم الاستقرار الذي يُميِّز العلاقات العربية ـ الإسرائيلية.


ولا بد أن يؤدِّي هذا التطور الإيجابي الذي تنطوي عليه المبادرة الإماراتية الشُّجاعة، إلى تغيير قواعد اللعبة ووضع حدّ نهائي لتردد دول شرق آسيا الصناعية، التي تعتمد على نفط المنطقة، عن الاشتراك بشكل أكبر في مساعدة دول الشرق الأوسط على حل مشاكلها.


وينبغي أن نكون حذرين من اختلاف مواقف عدة أطراف من هذا الحدث المهم، يتعلق أولها بأنه يُمثِّل عاملاً مهماً بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، الذي يُنتظر منه أن يسعى لاستغلال هذا الإنجاز وتسويقه في أوساط الناخبين الأمريكيين من أجل إعادة انتخابه.

ويتعلق الثاني بمحاولة بنيامين نتنياهو المبتهج بهذا الحدث ببذل جهود الدقائق الأخيرة للاحتفاظ بمنصبه كرئيس للوزراء، وهو ما يزال يشتري الوقت لتحقيق إنجاز جديد خلال ما تبقى من أيام الولاية الأولى للرئيس ترامب، وعلى النقيض من ذلك، فإننا نلاحظ الموقف المتأني والحذر الذي ميّز الإعلان الصادر عن القيادة السياسية في أبوظبي، لكن، وبالرغم من ذلك، يمكننا القول بأن الشرق الأوسط يشهد حدثاً تاريخياً كبيراً.

لقد كانت هناك حوارات ونقاشات محتدمة داخل الحركات الراديكالية العربية والشرق أوسطية حول الطريق التي يتحتم عليها اتباعها للوصول إلى مدينة القدس، وكان البعض يرى أن تلك الطريق تمرّ عبر القاهرة، ورأى آخرون أنها تمرّ عبر بغداد، وزعم البعض أنها تمر عبر كربلاء، وأصبحت كل هذه الأطروحات جزءاً من التاريخ، ولم يكن أحد يتوقع قطّ أن تمر تلك الطريق عبر أبوظبي.