السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

فلسطين.. تجارة الإخوان

تفاعلاً مع اتفاق السلام الذي أبرمته الإمارات مع إسرائيل، أصدر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، بياناً باسم رئاسة البرلمان، وأصدرت الرئاسة التونسية بياناً آخر.

في المسافة بين البيانَين تلخيص لما يسود المشهد السياسي التونسي، واختصار لكل علل الدستور.. البيانان عكسا مواقف متناقضة من قضية واحدة.

في البيان الأول، الصادر يوم 17 أغسطس، عاد راشد الغنوشي، إلى السطو على صلاحيات الرئيس التونسي، التي حدَّدها دستور البلاد منذ عام 2014.. السطو الجديد كان مُعبِّراً عن حالة سياسيّة دائمة عند حركة النهضة وهي غياب الانسجام والانتقائية.


وكان بيان الرئاسة التونسية الصادر يوم 19 من الشهر الجاري واضحاً في التعبير عن موقف تونس الثابت من الحق الفلسطيني، والتأكيد على أن هذا الحق ليس صفقة ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح، مع التأكيد على عدم التدخل في اختيارات الدول والتَّشديد على احترام إراداتها.


كان الغنوشي في البيان «وفيّاً» للمواقف الإخوانية من الاتفاق، متجاوزاً صلاحيات رئيس البلاد التي تُخوِّل له وحده أحقيّة إصدار المواقف الدبلوماسية الرسمية.. لم يُصْدر الغنوشي البيان باسمه أو باسم حركته، بل تعمَّد إصداره باسم رئاسة البرلمان، لا باسم البرلمان، لأنه يُدرك أن ذلك ينتج رفض العديد من الأحزاب السياسية، التي ستحتج على إصدار الموقف دون علمها وموافقتها.

بيان رئاسة مجلس نوّاب الشّعب في تونس لخَّص كل المواقف الإخوانية من الحدث، وهي مواقف عَجّتْ بانتهازية وانتقائية مفضوحتَين.. انتهازية في الهرولة للمتاجرة بالحدث وبالقضية في آن، وانتقائيَّة في النظر إلى كل من يقترب من قضية العرب الأولى.

لم ينسَ التونسيون أن حركة النهضة رفضت المصادقة على مشروع قانون مناهضة التطبيع عام 2018، عندما أُتيحت لها فرصة تأكيد «مبدئيَّتها» تجاه قضية العرب الأولى.

تتعامل حركة النهضة، كما أخواتها من الجماعات الإخوانية، مع القضية الفلسطينية بمنطق تجاري يصمت أو يتوسل الأعذار عند ترجل نظام قريب من الجماعة عن صهوة «المقاومة»، من قبيل النظام القطري أو التركي، ثم تُرفع الشعارات الصاخبة وتهم التطبيع وخيانة فلسطين، عندما يقرأ نظام من خصوم الإخوان المشهد الإقليمي والدولي بطريقة تراعي مصالحه وحساباته.

كان بيان الرئاسة التونسية الأخير دقيقاً عندما أشار إلى أنه «من مفارقات اليوم أن البعض يندِّد بالشيء ونقيضه»، ولذلك يجوز القول: إن المسافة الفاصلة بين بيان رئاسة مجلس النواب، وبين بيان الرئاسة التونسية هي من الهوامش السياسية، أما المتن فهو أن قضية فلسطين عند جماعات الإخوان ليست سوى قضية للمتاجرة وبث الأوهام.