الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المزايدة.. وتوظيف القضية

في عام 1929 كان افتتاح الجامعة العبرية في القدس، كانت الجامعة في الأصل مدرسة تأسست لإحياء اللغة العبرية، زارها المؤرخ اللبناني جورجي زيدان عام 1913، أثناء رحلته إلى فلسطين وعاد ليكتب مقالاً في مجلة الهلال عن تلك المدرسة ونظام العمل بها، ثم تطورت المدرسة وصارت جامعة، لم تقم بشكل سري كان الكل يعلم بها، وكانت الجامعة تباهي بأنها تستقبل الطلاب جميعاً، بلا تمييز على أساس ديني أو قومي، كان شرطهم فقط أن الدراسة باللغة العبرية.

وبمناسبة الافتتاح، وجهت الإدارة البريطانية الدعوة للجامعة المصرية لإرسال مندوب لحضور الافتتاح، كانت بريطانيا دولة الاحتلال في مصر ودولة الانتداب على فلسطين.

وتقرر أن يحضر أحمد لطفي السيد مدير الجامعة المصرية الافتتاح، كان رأي لطفي السيد أن يطلع على ذلك المعهد العلمي الناشئ، وما أن وصل حتى تعرّض لحملة عاتية من الصحف الفلسطينية والسورية، تتهمه في وطنيته وخلقه.


كان السؤال الذي يستحق أن يطرح يومها: كيف السبيل إلى إنشاء جامعة عربية موازية في فلسطين وإن لم يكن في القدس ذاتها؟ لكن لم يتم التطرق يومها إلى هذا البعد، وانشغل الزعماء المحليون بخلافاتهم ومعاركهم الصغيرة وانشغلت الصحافة بإدانة لطفي السيد.


هذا الموقف تكرر كثيراً بشكل أو بآخر، وصرنا نتهم بعضنا ويُخون بعضنا بعضاً، وصار المجد أن ينتصر فريق منا على الآخر بغض النظر عن تحقيق الهدف العام، ويبدو لي أنه يضيع وسط زحام المعارك الداخلية وحروب التصفية المعنوية والإعلامية.

ولقد اغتيل ملك عربي على باب المسجد الأقصى عام 1951، لأن فريقاً وصمه بالخيانة، وقامت المظاهرات ضد الرئيس بورقيبة لأنه أعلن رأياً مطلع الستينات لم يعجب البعض، وفيما بعد تبين أنه كان الأبعد نظراً، كان رأي بورقيبة أن تقام الدولة الفلسطينية ويتم الاعتراف بإسرائيل، مع ملاحظة أن اتفاقيات الهدنة عام 1949 كانت تنطوي على اعتراف بإسرائيل وهكذا كانت الحال، ومع مضي السنوات والعقود تتغير الوقائع على الأرض، فما هو متاح الحصول عليه اليوم قد يدخل في دائرة المستحيل غداً، وما كان ميسوراً قبل 10 سنوات بات صعباً اليوم.

وتاريخ القضية الفلسطينية في جانب منه كان يتجه إلى مواقف ليست قليلة نحو المزايدة وتوظيف القضية لغير صالحها، باختصار الانخراط في القضايا الفرعية، مع تجاهل أو عدم التركيز على القضية الأساسية، وهي إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.