الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

فيروز.. ووسام جوقة الشرف الفرنسية

الأنظار لم تتجه لقصر بعبدا بل اتجهت لفيروز في الزيارة «الماكرونية».. كان الفن جرعة حياة يتوق لها اللبنانيون الذين يئسوا من السياسة وأهلها، فاكتظ الإعلاميون وكاميراتهم، ومن استطاع من الشعب اللبناني التجمهر والتواجد أمام منزل أميرة الغناء العربي، التي حملت بيروت على أوتار حنجرتها إلى العالم بتفاصيل الأغنية اللبنانية وملامحها.

حضر الرئيس الفرنسي ماكرون في الزمن الصعب، الذي يمر به العالم بأزمة كورونا وعقب المحنة التي مرت على بيروت ليكون ضيفاً على مائدة فيروز وبحضرتها، حيث أطلّت بثوب منزلي فضفاض وشال حريري يطوق خصلات شعرها الكستنائي وواقٍ بلاستيكي على وجهها، وقد تلهَّف الملايين من عشاقها للصور القليلة التي نُشِرت لها، وكانت بمثابة جرعة سعادة لهم.

لا أريد هنا الكتابة عن السياسة وما قد يكون وراء مشروع ماكرون في لبنان، لكنني أريد أن أعيش معكم أحرفي في هذه المقالة مع الفن الذي ينتصر على السياسة، ومع الجمال الذي يطغى على قبحها، فصباحات فيروز والبسطة وقصة شادي وشوارع القدس العتيقة ونسمات الهوى قد تلوح بالسعادة، وقد تغسل ألحانها وذكرياتها شوارع بيروت المضرجة بالدم والحرائق، وقد تعلل المحبوب ببعض رشفات من حب، وعشاق بيروت بصباحات تشرق من ضِيَعِها ورائحة مناقيشها، التي تعدها نسوة القرى لتستقبل به زوار بيروت ومحبيها مع الشاي بالنعناع الجبلي وقهوتها المرة المستطابة.

بيروت التي لم تغتسل من جراحها بعد، تحاول في كل مرة أن تقوم كطائر الفينيق من تحت الرماد لتحلق، وهي هذه المرة تحت أنقاض الكونكريت والعمارات التي انهارت بما فيها، جرّاء كارثة المرفأ.. لقد خارت قوى هذا الطائر وثقلت أحماله وكبرت فجيعته لكنه لبنان.. الذي لا يعرف إلا الحياة والنصر.

«يا بيروت..

يا مينا الحبايب يا بيروت

يا نجمة بحرية عم تتمرجح عالمية«

حين خانك الساسة انتصر لك الفن، وحين نكثوا وعدهم وأخلفوا عهدهم صدقت الكلمة واللحن والقصيدة، وحين أغلقت أبواب قصر الرئاسة والبرلمان وتظاهر اللبنانيون حولها راشقين إياها بالحجارة والنار، فتحت أبواب أميرة الفن لجمهورها الصغير في لبنان والكبير حول العالم.

هذا هو الفن الذي ينتصر لبيروت، وينتصر للبنان، ويوقد شمعة بدلاً من قنابل الموت ويحصد وسام جوقة الشرف الفرنسية لتطوِّق جِيد فيروزنا.