السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

رسالة للمتآمرين ضد إنقاذ البلاد العربية

بوضوح، العلاقات «العربية- العربية» تحتاج إلى المكاشفة، لأن قضايانا الحرجة لن تُحل، بصراحة، دون أن يعرف كل طرف أخطاءه، ونتائج تصرفاته، وأن يتحمل نصيبه من قرارات الحل والتصحيح، فنحن الآن في مفترق طرق، ولن نسمح بالتردد في مواجهة التجاوزات الكبيرة، والتدخل في الشأن الداخلي لدولنا من البعض، الذي لم يتوقف عن ذلك، ولم يحاسبه أحد حتى الآن.

لأكثر من 3 عقود، تُركت قطر تلهو بالسياسات، وتكوِّن تحالفات ضد المصالح العربية المختلفة، وكانت كل الدول، بما فيها الأكثر تضرراً (مصر، السعودية، الإمارات، والبحرين)، تعاملها بمنتهى الحساسية والدقة، بل الصبر، لعل وعسى أن تفيق وتتوقف، وهذا لم يحدث، بل تمادت في هذه السياسات، وكأنها استمرأت حالة الصبر وعدم الرد، واتّخاذ القرار، أو المواجهة، ووصل الأمر إلى العمل على تغيير أنظمة، وتشجيع كل القوى المناوئة للاستقرار في بلادنا، والتنظيمات الإرهابية على ذلك، وأخيراً انضمت إلى المحور المناوئ لكل الدول العربية بتحالف مع تركيا وإيران، بل رهنت قطر نفسها لهما، وعملت على تقويض المصالح العربية ككل، كما كانت أموال قطر المحرّك الرئيسي للاضطرابات، والإرهاب في كل دول الإقليم.

لكننا فجأة استشعرنا تغييراً جوهرياً بالتحالف «المصري- السعودي- الإماراتي- البحريني» في منتصف عام 2017، حيث كشفها أمام الرأي العام القطري أولاً، ثم العربي والعالمي ثانياً، وأصبحت حقيقة قطر، وحشدها للجماعات المتأسلمة، بما فيها «الإخوان المسلمون»، يعرفها القاصي والداني، وانكشفت الحملات المغرضة، التي تشنها قنواتها، والتي خُصصت للتقويض والإضرار بالأمن القومي لبلادنا، حتى إن المواطن العادي عندما يسمع «الجزيرة» يضحك في «كُمه»، لأنه يعرف حقيقتها السوداوية.

ووسط التحركات العربية الإيجابية للخلاص، ومساعدة الأقطار أو الدول، التي تعرضت للتفكك، والانقسام، والتدهور، أو القضايا المعلقة لأكثر من 7 عقود، أهمها قضية فلسطين، وكذلك ليبيا، واليمن، وحتى العراق، وسوريا، ولبنان، ظلت القوى الخارجية، سواء التركية أو الإيرانية، تتدخل بالنفوذ المالي والإعلامي القطري، حتى وصلنا أخيراً إلى التحرك الإماراتي، الذي سبق أن وصفته بأنه «اختراق حقيقي لمنع ضم الأراضي المحتلة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء عملية السلام»، وهو في حقيقته «موجة» جديدة نتطلع أن تحقق أهدافنا كاملة في فلسطين، والتي تقود الطريق إليها دولة الإمارات، ليس لتحقيق سلام عربي إسرائيلي، أو توقف عمليات الضم الإسرائيلي لأراضي فلسطين فقط، وإنما لكي تعود بالإقليم كله إلى العصر الذي نعيش فيه.

فإذا كانت «الموجة الأولى» للسلام، التي نبعت بعد حرب «أكتوبر المجيدة»، وشجاعة الرئيس أنور السادات، الذي لم يعقد فقط اتفاقيات للفصل بين القوات، أو عقد معاهدة للسلام مع إسرائيل، وإنما كانت لديه القدرة على تغيير البيئة التفاوضية، ونجح في النهاية، حتى بعد اغتياله، في تحقيق الانسحاب الكامل من الأراضي المصرية، بل نجح في نقل الفلسطينيين المترددين، والعاجزين، والمتقاعسين عن السير في أي طريق، إلى أن يناضلوا داخل فلسطين نفسها وليس خارجها، وحصل الفلسطينيون بالتفاوض على أول «سلطة وطنية» على أراضيهم في التاريخ، وكانت هذه الموجة وراء الاتفاق الأردني، ثم اتفاقيات مدريد وأوسلو.

إن الاتفاق الجديد، الذي انضمت إليه البحرين، أصبحت أبعاده واضحة، فهو الظهير القوي، الذي يحمي ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية والقدس العربية، وهو ما أدركه الجانب الأمريكي، الذي يضمن هذا الاتفاق بين الأطراف الثلاثة، ويعمل على تحقيق أهدافه.

لكن الشيء، الذي أذهلنا، هو التصرفات الفلسطينية غير الحكيمة، التي تمادت في عدوانيتها، وذهبت إلى الجامعة العربية، لتحصل على قرار يدين الإمارات، بل يقف ضد المصالح العربية لمصلحة المحور «التركي- الإيراني»، بل إن السلطة الفلسطينية أعادت إحياء ما مات، وانتهت صلاحيته، من فصائل وتنظيمات، أصبحت مجرد مكاتب في دمشق، أو بيروت، بل إنها تناست جريمة حماس وقتلها الفلسطينيين، وانضمت لكي تقف في المحور «التركي- الإيراني» المناوئ لهذا الاتفاق، الأمر الذي يشكل تدخلاً في الشأن الداخلي لدولتين عربيتين، من حقهما ممارسة اتخاذ القرارات السيادية، بل التحرك لحماية المصالح العربية.

لكن المنظر المضحك كان من رئيس منظمة «حماس» إسماعيل هنية، الذي ذهب إلى المخيمات اللبنانية ليستعرض أسلحتها، وهو يعرف تماماً أنها أسلحة إيرانية، مهدداً ومتوعداً، غير محترم لسيادة دولة لبنان، التي تعاني أزمة وكارثة مرفأ بيروت.

حسناً فعلت دولة البحرين، بانضمامها إلى الإمارات العربية، وقد جاء هذا رداً عملياً على هذه المهاترات، من بعض الفلسطينيين، بأن الإمارات ليست وحدها، وكان رسالة كذلك لإسرائيل، أن الضمانات التي حصلت عليها الإمارات مقابل التحرك الجديد (حماية أراضي فلسطين والقدس الشرقية) لم تعد محمية بعلاقات الإمارات وحدها، ولكن معها البحرين كذلك، وهذا يعزز مكانة الفلسطينيين أنفسهم، ويحمي القدس الشرقية.

كما يجب، هنا، أن أشيد بالتحرك «المصري- العراقي- الأردني»، وهو التحرك الذي يساعد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، الذي يسعى بجلَد لإنقاذ بلاده من براثن الاحتلالَين الأمريكي والإيراني، ولإعادة العراق إلى المعترك العربي، لينقذه من أن يكون ساحة لتصفية الحسابات الأمريكية والإيرانية معاً، وتحركه يستلزم دعماً عربياً، ولعل مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي وملك الأردن بدعم التحرك العراقي تشير إلى أن العراق سيعود إلى محيطه العربي مجدداً، بجهد مخلص من أشقائه، مثلما كان التحرك المصري مع القبائل ومؤسسات الدولة الليبية إنقاذاً لليبيا من الإرهاب، وسقوطها في احتلال تركي، أو فوضى لا تنتهي، وهو «الخط الأحمر»، الذي وضعته مصر أمام المعتدي.

ما يحدث في المنطقة العربية لا يزال كله في الأطوار التمهيدية أو الأولية لشبكة الإنقاذ، لكن نجاحه، ونموه وتطوره واستمراره مرهون بالمكاشفة، بل بالحدة ومواجهة من يقفون ضده، خاصة من الأشقاء، أو يساعدون المحتل الإسرائيلي لاستمراره، أو التركي بعدوانه، وتدخلاته المعيبة، أو الإيراني، الذي لم يتوقف، ولا يتورع، حتى وهو يرى بأم عينيه المتضررين، والاقتصادات التي تنتهي في بلاده، أو حوله، بلا ضمير، أو خوف، لذا، فإن إنقاذ المنطقة يحتاج إلى دعم وحشد عربي من المخلصين، وشجاعة في اتخاذ القرار، وإلا سيتوالى سقوط عاصمة،أو دولة، تلو أخرى.