الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تركيا.. وصناعة العدو

يقود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بلاده بشكل حثيث إلى صنع المزيد من الأعداء، والانتقال التركي من سياسة (صفر مشكلات) إلى مرحلة صنع الأعداء، هو منجز أردوغاني خالص، لذلك فإن الاندفاع التركي نحو تأجيج الخلاف الأذري - الأرميني كان شاذاً عن كل المواقف العالمية التي دعت إلى وقف التصعيد، وكان مثقلاً بالتاريخ وبالحنين إلى الدولة العثمانية.

المغامرة التركية الجديدة، تأتي في سياق سياسي مختلف عن مغامرات سابقة في سوريا وليبيا، على أن ما يصل مغامرة أردوغان في سوريا، باندفاعته في ليبيا، هو أنه أخطأ قراءة المعادلات السياسية والتركيبات الاجتماعية والتوازنات الدولية. القاسم المشترك الآخر في التهور التركي، هو أن عقل حاكم أنقرة كان محكوماً بالتاريخ العثماني أكثر من كونه كان متصلاً بالوقائع الراهنة.

ففي سوريا ارتدى أردوغان جلباب الخليفة، وانتهت مغامرته إلى انتكاسة، وفي ليبيا جاء مناصراً لحلفائه الإسلاميين باسم الانتصار للديمقراطية، ولم ينجح في الدخول إلى سرت مثلما هدد، وفي أذربيجان ارتدى جلباب الروابط التاريخية واللغة التركية.


«شعب واحد في بلدين».. ردد العقل السياسي التركي واصفاً العلاقة بين تركيا وأذربيجان، وهدد أردوغان بأن تركيا «ستواصل الوقوف إلى جانب البلد الشقيق والصديق أذربيجان بكل الوسائل»، لكن العقل السياسي نفسه تغافل عن قضية إبادة الأرمن عام 1915، التي ترفض تركيا مجرد الإشارة إليها أو الاعتراف بها، وهو ما يعني أن تركيا لا تقرأ من التاريخ إلا الأسطر التي تضخ دماء في شرايين أيديولوجيتها وأهدافها التوسعية.


الفارق بين المغامرات السابقة، والاندفاعة الجديدة هو أن تركيا ستجد نفسها في مواجهة خصم لن يتورع عن الدفاع عن حديقته الخلفية في القوقاز، وإن كان العقل التركي مدججاً بدوافع التاريخ، فإن الخصم الروسي ليس مستعداً للتغاضي عن العربدة التركية، وقد وصلت إلى فضائه «السوفييتي القديم».

المسألة أبعد من حوار باكو - يريفان، بل هي خصومة تركية روسية مضمرة، عنوانها المعلن مناصرة هذا الحليف أو ذاك، لكن غايتها المضمرة تأمين المصالح الاقتصادية الاستراتيجية، ولعل غاز المنطقة أول عناوينها.

من أذربيجان إلى سوريا وليبيا، ينتصب سجلّ تركي من مغامرات أعلنت إيقاف العمل بسياسة صفر مشكلات، وبدء مرحلة تكديس الأعداء، ولا شك أن المغامرة الأخيرة، إضافة إلى الأزمات الداخلية، لن تسمح لأنقرة بأن تحقق أهدافها الخارجية، ولا أن تداوي جراحها الداخلية، ولكنها دليل على أن قانون السياسة القاصم للظهر مفاده: إذا لم تجد عدوّاً فاصنعه.