الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

إرهاصات التغيير في غرب إفريقيا

تم الإفراج مؤخراً عن الرهينة الفرنسية في مالي «صوفي بترونان» ذات الـ75 عاماً، بعد أن قضت ثلاث سنوات ونصف السنة رهينة في أيادي فصيل تابع لتنظيم القاعدة يدعى «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين».

عاشت «صوفي» 20 عاماً في مدينة تقع شمال مالي تُدعى «غاو»، عملت خلالها على تأسيس مجموعات عمل لدعم الأطفال، الذين يعانون من سوء التغذية، وبعد الإفراج عنها حرصت على تجنّب الشكوى من ظروف احتجازها، وقالت: إن خاطفيها عاملوها بالحسنى، وإنها وجدت أن الصلاة كانت تمنحها قوة عظيمة باعتبارها مسلمة تقيّة.. إنه بحق مشهد غريب ومختلف عن فصول وصور المعاناة التي يعيشها المختطفون عادة، وربما يمكن اعتبار هذا المشهد وسيلة لفك لغز عدم اهتمام السلطات الفرنسية بالمحنة التي عاشتها الرهينة.

وفي الحقيقة، كان تحريرها مترافقاً مع تحرير السياسي المالي البارز، الذي ترشح لمنصب رئيس الدولة ثلاث مرات «سومايلا سيسي»، والذي كان محتجزاً لدى الجماعة الإرهابية ذاتها، وتم الإفراج عن الرهينتين مقابل الإفراج عن 200 مقاتل من الجماعة المسلحة، الذين سبق أن اعتقلتهم القوات الفرنسية والمالية في مناطق المعارك شمال مالي.


هذا القرار الشجاع للحكام العسكريين الجدد للدولة، والذين أطاحوا بالرئيس «إبراهيم بوبكر كيتا» في شهر أغسطس الماضي، والذي يقضي بمبادلة الرهائن بالمحتجزين، ربما يفتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية لهذا البلد الذي مزقته الحروب، ولكنّه يكشف في الوقت ذاته عن حقيقة مهمة، وهي أن التدخل العسكري الأجنبي يفشل دائماً في تحقيق السلام، بالرغم من أن فرنسا جنّدت أكثر من 5 آلاف جندي تدعمهم أحدث التكنولوجيات العسكرية لهذا الغرض، لأنها كانت تجهل الأسباب الحقيقية للأزمة التي تعيشها دول الساحل الإفريقي.. فمالي بلد واسع تبلغ مساحته 1.2 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة، ينقسمون بين سكان مدن حضريين وقبائل، يعيشون على الأراضي الممتدة من الغابات الواقعة إلى الجنوب، بما في ذلك البدو الذين ينتشرون في المنطقة الصحراوية الشمالية.


وترتبط المشكلة الرئيسية لهذا البلد بحاجته لتكريس مشاعر الوحدة الوطنية لسكانه، وإلى العدالة الاجتماعية والمساواة من حيث الحقوق في توزيع الثروات الوطنية والمشاركة في السلطة، لأنه بلد فقير لا يتمتع بالمصادر والثروات الطبيعية التي تتمتع بها بعض البلدان المجاورة، لكن عند النظر إلى الوضع السياسي والأمني المضطرب لبعض البلدان الإفريقية القريبة التي تمتلك الثروات الكافية، يمكن أن تتحسن نظرتنا حول الوضع في مالي، ومن ذلك مثلاً: أن نيجيريا تعاني من جرائم جماعة «بوكو حرام»،، وتجتاز دولتا ساحل العاج وغينيا أياماً صعبة بسبب احتدام التنافس على منصب الرئاسة، لكن هناك فرصة تنتظر مالي للاعتماد على حكمة الشعب والقادة لتحقيق الاستقرار والتطور.