الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

بين الرخاء.. والحرية

تختلف مطالب الإنسان حول ضرورات الحياة بين أن يكون حراً، وأن يعيش كريماً، وبقي الصراع بين علماء الاجتماع وخبراء السياسة أيهما أهم الخبز أم الحرية؟

هناك من كان يرى أن الحرية تسبق الخبز، وهناك من يرى أن الحرية تسبق كل شيء، وإن بقيت شعوب كثيرة لا هي عاشت حرة ولا هي وجدت الخبز.

وبعد دمار أوروبا، في وبعد دمار الحرب العالمية الثانية، وقتل عشرات الملايين خرجت أوروبا تريد الطعام بعد سنوات الجوع والحرمان، واتجهت الحكومات إلى تعويض شعوبها، فكان التوسع في توفير مطالب الحياة طعاماً ورفاهية، وأغرقت الدول أجيالها الجديدة في البحث عن مصادر كثيرة من الرخاء، فكانت مواكب الأطعمة وألعاب التسلية والجنس والفنون.


لقد رأت أوروبا في ذلك هروباً من ويلات الحروب، وتعويضاً لأجيالها الجديدة عن كل ما أصابها من الموت والدمار وكانت هناك تجارب أخرى في الدول التي رفعت لواء الاشتراكية، وإن بقي مجرد شعار.


وهناك نموذج ثالث هو الدول النامية التي حررت أوطانها، وكان البعض منها محظوظاً في اكتشاف ثروات جديدة، وأهمها البترول، وللإنصاف لم تشهد تلك الدول خلافاً حول الخبز والحرية، لأنها وجدت في رخاء المعيشة ما يعوضها عن كل الأحلام الكبرى حول حقوق الإنسان وغيرها من الشعارات.

غير أن الشيء الغريب، هو: زيادة حيرة الإنسان أمام متغيرات جديدة، إذ أصبحت التكنولوجيا أهم مصادر القوة لدى الشعوب، وأصبح التقدم هو مقياس الثراء والغنى، وزاد بعض الشعوب تقدماً، كما زادت شعوب أخرى تخلفاً، واختلت الموازين، ووقف بعض الشعوب حائراً فلا هو وجد الحرية، ولا توفّر له الرخاء.

في العالم الآن ملايين من البشر تحت خط الفقر، وهناك ملايين أخرى في السجون والمعتقلات، وما يزال السؤال يتردد هل كانت الحرية أفضل أم رغيف الخبز؟ والحقيقة أن الأفضل وجودهما معاً.

لقد تساءل العلماء والمفكرون والخبراء: هل الكرامة الإنسانية أن يكون الإنسان حراً أم أن تكون له حياة كريمة؟ ثم ما قيمة أن تجد الطعام ولا تجد الكرامة، أو أن تعيش سجيناً تتنقل بين قصور من القضبان.

ما يزال السؤال قائماً: هل الحرية أهم أم رغيف خبز؟ إن هناك دولاً حرمت شعوبها من الاثنين معاً فلا هي وفرت رغيف الخبز ولا هي وفرت الحرية، وما بين الجوع والطغيان كانت معاناة إنسان هذا العصر.. فهل يمكن أن نعيش زماناً عادلاً يحفظ كرامة الإنسان ويحمي حريته؟ّ!