الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

حسن الجوار عقيدة لا سياسة

مخطئٌ مَن يظنُّ أنّه من مصلحةِ الدُّول العربيّةِ معاداةَ الشعبِ الإيرانيّ، أو الدولة الإيرانيّة كمفهومٍ عامٍّ، فالتَّاريخ يتحدّث أنّه ما من محاولةٍ واحدةٍ لأيّ من الدول العربية زعزعةَ الاستقرارِ في الدَّاخلِ الإيرانيِّ مهيّأ أصلاً لهكذا دورٍ في ظلِّ احتوائها للكثير من القوميّات والعرقيَّات والمذاهبِ.

الحديثُ لا يشملُ الحرب العراقية ـ الإيرانية، فالطرّفان كانا بحاجة آنذاك لاختبار كلٍّ منهما للآخر، فحتّى لو نَجحتْ مساعي إخماد الفتنةِ فإنها واقعةٌ لا محالةَ في ظلِّ سيطرة ذهنيّةٍ دينيّةٍ في إيران جاءَتْ لتُصدّرَ ثورتَها إلى محيطها العربيِّ، وفي المقابلِ ثمّةَ حاكمٌ في العراق يرى نفسَه قوّةً لا تُقهر، فكانتِ المواجهةُ التي لم ينتَصرْ فيها طرفٌ، بقدْر ما تكبده الطرفّان من ضحايا، وما زالت المنطقةُ حتّى اللحظةِ تدفع ثمنَ تهوّرهما.

كثيرةٌ هي المبادراتُ العربيّة التي مدّت يد العيش المستقرّ بين إيران وجيرانها، وليس آخرها ما حدثَ من تقاربٍ بين المملكة العربيّة السعوديةِ زمنَ الملك «عبد الله بن عبد العزيز» والرئيس الإيرانيّ «محمد خاتمي» في تسعينيات القرن الـ20 لدرجةِ أنّ المنطقةَ عاشت استقراراً تذكره حتّى اللحظة الأجيالُ التي عايشته، أما الآن فحالةَ التوترِ الحاصلةِ نتيجةٌ لتصرّفات إيران وسَعيَها لزعزعةِ المنطقةِ العربيّة بميلشياتٍ تلتهمُ جيوشَها، لتصبِح الذّراع التي تبطُشُ بها طهران، وحين تُعاتَبُ بهذا تتنصّل من المسؤولية، ففي لبنانَ حزبُ الله، وفي العراقِ ميلشيا الحشْدِ، وفي اليمنِ أنصار الله، وفي سوريا ميلشيات فاطميون، وزينبيون، وغيرهم، وهذا ما لن تقبلَه البلدان العربيّةِ؛ حكومات وشعوباً.


الحالة التي يمكن العيشُ فيها بأمانٍ وسلامٍ تتمثّلُ باقتناع إيران وساستها بأنّ سياسة التوسُّعِ الذي يخالجُ ذهنيّتهم يجبُ أن ينتهي، وأنّ ما نجح في بلادهم أو ما يدعون نجاحه من ثورةٍ لا يمكنُ تطبيقه في بلدانٍ متنوعة التكوين كلبنان وسوريا والعراق؛ فضلاً عن طبيعة المجتمع العربيّ في دول الخليج.


لا ضيرَ بأنْ تكونَ العلاقة مع إيران في أحسنِ حالٍ، ولكنْ كيف يمكنُ بلوغ هذه النقطةِ إذا كان دستورُها قائمٌ على نشرِ المذهب الاثنَي عشَري حتى يظهر المهديّ؟ فالتفاهمُ ممكنٌ لو كانتْ نقاط الخلافِ سياسيّةً أو جغرافيّةً، ولكنّ الخلاف مع إيران عقَديٌّ إقصائيٌّ، فمن الصعبِ جدّاً إقناعُ من يعتقدون بأنّهم ممثّلو اللهِ على الأرضِ باستحقاقِ جيرانهم للحياةِ لا الكره والبغض والحقد والقتل.