الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

اليمن.. تعقيدات مشهد مضطرب

يعيش اليمن مرحلة جديدة من مراحل صراع طويل يمتد لقرون عديدة، تخللتها فترات عابرة من الهدوء النسبي، سرعان ما تتلوها عاصفة من عواصف الصراع المحتدم على السلطة والثروة في بلد عانى كثيراً من الانقسامات الجهوية والقبلية والمذهبية، وأثخنته أنانية النخب وانتهازيتها المفرطة.

وما يحدث اليوم ليس أمراً عارضاً في مسار التاريخ اليمني، بقدر ما هو فصل جديد من فصول المشهد المضطرب والصاخب الذي ينتظر منذ قرون لنقطة تحول فارقة، تخرجه من دائرة الأحداث المغلقة والمتعاقبة، حتى يكاد القول الشائع بأن التاريخ يعيد نفسه، يكون وصفاً دقيقاً للحالة اليمنية القديمة المتجددة، حيث تتشابه الأحداث ومآلاتها، وتتكرر مشاهد الاصطفافات، وقوائم التحالفات، كما تتطابق، في كثير من الأحيان، مسارات الصراعات ونتائجها، في حين تبقى العقدة التاريخية حائلاً دون الخروج من هذا السياق الممل والمكرور، فلا الحرب تنضج في اليمن ولا السلام يتحقق ولا الاتفاقات تنفذ، إلا بقدر ما يتم من خلاله ترحيل الأزمات وتأجيل المواجهات وتسوية الأرضية لجولات قادمة أشد عنفاً وأكثر فتكاً، لكنها بطبيعة الحال، تظل دون مستوى الحرب الكلاسيكية التي يعرفها العالم.

ومن يقرأ تاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر، يمكن أن يستشرف بسهولة مآلات الأزمة اليمنية الحالية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عقد، ويصعب تفكيكها سياسياً، وفقاً للقواعد المتعارف عليها في الأزمات الدولية والصراعات الجيوسياسية، وتلك ربما تكون أحد أسباب فشل المجتمع الدولي في التعامل مع الملف اليمني.


فالعدو في اليمن قد يتحول إلى حليف في لمح البصر، ومن دون مقدمات منطقية، والعلاقات الاجتماعية والقبلية تجعل من التجاذبات أقل حدية، بل ربما مدعاة للسخرية، عندما تجد الأخ الأكبر في المعسكر الأول، بينما شقيقه الآخر في المعسكر المقابل، في الوقت الذي يتموضع شقيقهم الثالث في منزلة بين المنزلتين، وفي نهاية اليوم يلتقي ثلاثتهم لتناول العشاء في منزل واحد!


في الواقع إن معرفة خفايا الحالة اليمنية تتطلب جهداً غير اعتيادي، وقراءة عميقة ومتأنية للمشهد من كافة أبعاده وجوانبه التاريخية والاجتماعية والثقافية وتعقيداته السياسية والقبلية المتشعبة، وتتبع تفاصيله الدقيقة، لتكوين رؤية حقيقة في نهاية المطاف، يمكن معها التكهن باتجاهات الحرب والسلام في بلد يتنفس سكانه غبار الصراعات التي لا تنتهي.