السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

بين حرية التعبير.. والإساءة

لا أحد كان يعتقد أنه في خضم جائحة كورونا التي عاثت فتكاً ودماراً في العالم، تأتي آفة جديدة بسبب خطابات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومواقفه التي تبنّت إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لشخص رسول الإسلام (عليه ألف صلاة وسلام) بحجة حرية التعبير، باعتبارها حقاً أساسياً للمجتمع الفرنسي العلماني، لذلك لا يمكن أن تصدر عن قائد متبصر يترأس جمهورية ذات تعدديات دينية ولغوية وعرقية وثقافية، فضلاً عن كونها متعصبة وحاقدة واستفزازية، وغير متوافقة مع قيم التسامح واحترام الآخر وقبول الاختلاف والتعايش السلمي.

موجة الحقد والكراهية للإسلام التي اكتسحت فرنسا على خلفية نشر الرسوم، وذبح الأستاذ الفرنسي بهمجية تغذي التطرف والإرهاب، وتعزز رهاب الإسلام في المجتمعات الغربية، كما تخلق صدعاً عميقاً بين فرنسا والعالم العربي والإسلامي، وتشعل روح الكراهية والعداء والعنف، وتقوض جهود المجتمع الدولي لوأدها ولإشاعة ثقافة التسامح والسلام بين شعوب العالم. وبحسب البعض «تهدف التصريحات إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب الإسلام».

يمثل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية، ويشكّل المسلمون نحو مليارَي نسمة في أرجاء المعمورة، فضلاً عن أنه دين رسمي فيما يزيد عن 50 دولة.


إن شخصية النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أحب وأعز لدى المسلم من كل شيء: فنبيّه أحب إليه من أبويه وبنيه وذويه، ويصلي عليه خمس مرات يومياً، كما أن حبه لنبيه أثمن متاع في حياته.. فهل من المعقول أو من السلوك المتحضر، إهانة شخصية تحتل هذه المكانة العليا في قلوب المسلمين بحجة حرية التعبير؟ قد لا يقدر الغرب عمق هذه العلاقة العاطفية للفرد المسلم مع نبيه، ولكن بحكم عيشنا في قرية كونية علينا أن نتفاهم ونتعايش على أساس الاحترام المتبادل.


الكثير يخلط بين حرية الرأي وحرية التعبير، فحرية الرأي حرية مطلقة: يحق للفرد أن يؤمن بما شاء، أما حرية التعبير فهي حرية غير قابلة للتصرف، طالما لم تتجاوز حدودها إلى حدود الآخر، ولذلك فإن معظم دساتير العالم شدّدت على حرية التعبير، باعتبارها الحق الأساسي للفرد، ولكنها وضعت قيوداً على هذه الحرية.

لا عجب إذن أن التطاول على الرسول أثار موجة تنديدات عربية وإسلامية واسعة، وفي سياق متصل، فإن عملية ذبح الرسام المعلم الفرنسي، تستحق أشد الإدانة، وهي تنافي الإسلام ولا تخدمه، بل تشوه صورته، وتعزز رهاب الإسلام، وفي الحقيقة: الإسلام دين الرحمة والسلام والإنسانية والوسطية.