الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أحسنتُم.. حينما أسأتُم

على حد علمي أو ربما ظني أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) لم يقتل أو يأمر بقتل مَن تعرض له بالأذى في حياته، وقصص الإيذاء له (صلّى اللَّه عليه وسلم) يعلمها الكل من سُفَهاء الطائف، إلى كُفار مكة، إلى يهود المدينة.. لم يقتل الرسول أحداً ولم يأمر بقتل أحد إلا حَدّاً أو حرباً، وذلك كله تَنْفِيذاً لأمر اللَّه تعالى.. كما لم يَغْضَب (صلى اللَّه عليه وسلم) لنفسه قط، وإنما كان يغضب لمحارم وحدود اللَّه.. وعندنا في القرآن الكريم آيتان تحسمان كل هذا اللغط والضجة.. «إنَّا كَفَيْنَاك اَلْمُسْتَهْزِئِينَ»، «وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك».. الأولى هي أن اللَّه تعالى كَفَى رسوله المستهزئين، فهذا لا يعنى أنه يكفهم عن الاستهزاء، ولكنه يعنى أن يجعل سبحانه هذا الاستهزاء رفعة وعظمة للرسول.

رفع ذكره تَمْجِيدًا وأذاناً، أو قدحاً أو ذَمّاً وَغَيْظاً وَحَنَقاً.. محمد (صلى اللَّه عليه وسلم) على كل لسان وكل قلم 24 ساعة.. في كل ثانية يبقى (صلى اللَّه عليه وسلم) إلى يوم الساعة ملء السمع والبصر.. ويبقى أقوى وأخلد من كل الزعماء والقادة والعلماء والأدباء الأموات والأحياء.. هذا وَعْدُ اللَّهِ يتحقق على ألسنة وأقلام المحبين والكارهين.. لا أحد سوى محمد تتناوله الألسنة والأقلام بالخير أو بالشر.. «يريدون أَنْ يُطْفِئُوا نُورِ اللَّه بأَفْوَاهِهمْ، واللَّهُ مُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون».. نور اللَّه يتم على أيديهم وهُم كارِهُون.. المؤمن والكافر.. وَالْخَير وَالشِّرِّير.. والمحب والكاره، ينفذون وَعْدَ اللَّه وإرادته.

«ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ»، كل إحسان أو إساءة يَصُبَّانِ في «رَفْع الذكر».. فما الذي يزعجنا؟، ما الذي يجعلنا بهذه الهشاشة والضعف والتحرك العنيف من أجل كلمة أو رسم؟.. الخير والنعمة لا ينتشران على يد فاعلهما فقط، وإنما ينتشران أكثر على يد حاسدهما، والحاقد على فاعلهما.. والحق ينتشر، بل ينتصر بأهل الباطل.


لقد حَذَفَ رَسُول اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) وصف رسول اللَّه من معاهدة أو صلح الحديبية عندما طلب المشركون ذلك، ولكنه أبدًا لم يحذفها من القلوب، وسيبقى ذكره مرفوعاً في الآفاق إلى يوم القيامة على ألسنة وأقلام مَنْ يُؤْمِنُونَ ومَنْ لا يؤمنون بأنه رسول اللَّه.. فاطمئنوا لأن الأقلام والألسنة والأفواه لَن تُطْفئ نور اللَّه.. ابتسموا وقولوا للمسيئين والمستهزئين: لقد أحسَنْتُم عندما أسَأْتُم!