السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

«العربيَّة».. والتعاطي مع الذاكرة الأندلسية

رَسَّخت العربيَّة في المجتمعى الأندلسي بكلِّ أطيافه ونِحَله، حتى أصبح منه شعراء وأدباء وفلاسفة، فمن ذا الذي لا يبهره جمال اللغة وجرسها ونغمتها الحلوة؟!.. فحتى الأساقفة والرهبان سحرتهم اللغة، التي استطاعت أن تكوِّن العقول، وتهذِّب الأخلاق، وتسمو بالروح إلى مدارج لم تبلغها أي لغة أخرى؛ فقد أغنى أدباء الأندلس اللغة العربيَّة بكثير من المصنَّفات الأدبيَّة والشعريَّة الرفيعة.

التعاطي مع الذاكرة حيث التأريخ أمر محوري في التعاطي مع واقعنا ومشكلاتنا الحالية، وكان بعض أهل الأندلس ــ وهم من الأديان الأخرى ــ ينظمون من الشعر العربي والنثر الموشحات والقصيدة المغناة ما يفوق قدرة شعراء العرب فنّاً ولذة وسحراً طاغياً؛ لأنهم أدركوا خصائص اللغة العربيَّة وتفوقها الإبداعي لصياغة الاتزان العاطفي والعقلي والنفسي، واكتساب مقومات داخليَّة ناضجة وإنسانيَّة ملهمة للضمائر الحيَّة... وتفتق العقل الإنساني بالثقافات الخالدة.

ولا أدل على مدى انتشار اللغة العربية في عصر مبكر بين المسيحيين أنفسهم، تلك الشكوى التي أطلقها أحد قساوستهم، واسمه «ألفرو القرطبي» حيث يقول: «إن إخواني في الدين يجدون لذَّة كبرى في قراءة شعر العرب وحكاياتهم، ويقبلون على دراسة مذاهب أهل الدين والفلسفة المسلمين، لا ليردوا عليها وينقضوها، وإنما لكي يكتسبوا من ذلك أسلوبا عربيّاً جميلاً صحيحاً».

وكان للحلقات من التدريس والمناظرة والتأليف والترجمة، وتعدد المراكز الثقافيَّة، والحياة الفكريَّة والعلميَّة بالأندلس عامة دور في انتشار العربيَّة.. ويقال كان المستوى العربي فيما بين القرنين التاسع والـ13 يقاس بالمكتبات الخاصة، فالثراءُ كان لا يكتمل إلا بملكيَّة مكتبة عربيَّة غنيَّة بالكتب النادرة والقيمة، فتُجَّار الكتب كانوا رسلاً من رسل الثقافة، كما كان الولع بالعلوم من مقومات الحضارة، والمدنيَّة، والمفاخرة في ذلك العصر.