السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

فاتورة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

تنفيذاً لما وعد به دونالد ترامب مراراً بإنهاء «الحروب التي لا نهاية لها»، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، عن عزمها سحب 2000 جندي من أفغانستان و500 من العراق قبل انتهاء عهد الرئيس الحالي، ما يعني أن الولايات المتحدة ستحتفظ بكتيبة عسكرية واحدة في كل من البلدين عددها 2500 جندي.

انسحاب ترامب من أفغانستان لن يقل سوءاً عن انسحاب أوباما من العراق في 2011، ما أدى وقتها إلى صعود تنظيم «داعش» وما تلاه من بروز ظاهرة المقاتلين الأجانب وارتفاع وتيرة الإرهاب في العالم أجمع. والتراجع الأمريكي في أفغانستان، سيمنح الفرصة لتنظيمي القاعدة و«داعش» للتمدد بصورة أكبر وإعادة ترتيب مناطق نفوذهما وتحالفاتهما في المنطقة، وسيعاود تنظيم القاعدة الانتشار والظهور إلى العلن، بعد أن رَكن إلى الهدوء والعمل في سرية خلال الفترة السابقة.

تراجع أمريكا سيؤثر، أيضاً، على محادثات السلام الأفغانية التي تتسم بالكثير من التعقيدات، فمنذ وقعت واشنطن وحركة طالبان، في فبراير الماضي، اتفاقاً ينظم انسحاباً تدريجياً للقوات الأمريكية من أفغانستان ويمهد لمفاوضات مباشرة بين حكومة كابول وطالبان، تعهدت طالبان بعدم مهاجمة القوات الأمريكية، والتعاون في مكافحة الإرهاب من خلال منع تنظيمات كالقاعدة و«داعش» من التحرك انطلاقاً من أفغانستان. كما تعهدت بالتفاوض على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وتقاسم السلطة مع حكومة كابول، ويمكن القول إن التواجد الأمريكي كان عنصراً حاسماً لالتزام طالبان بوعودها واختيارها التفاوض على الحرب.

لكن الانسحاب الأمريكي سيعيد الاقتتال إلى مربع الصفر، وسيفسح المجال لحرب أهلية واسعة النطاق، وسيدخل مقاتلو طالبان، البالغ عددهم نحو 60 ألف مقاتل، والميليشيات المختلفة، وما تبقَّى من الجيش الأفغاني، في منافسة شرسة على السلطة وعلى السيطرة على كابول.

وسيعتمد كل طرف على دعم بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل روسيا والصين، اللتين تمتلكان مصالح سياسية واقتصادية وأمنية في أفغانستان.

ومع تضارب مصالح دول الجوار، ومنها تحديداً باكستان والهند وإيران، ستسعى كل واحدة منها إلى الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في أفغانستان من خلال دعم أحد الأطراف بهدف التأثير على سير الأوضاع داخل البلاد.

لا شك أن الفاتورة الأمنية للانسحاب الأمريكي ستكون مرتفعة، ومن المحتمل أن تنفجر منافسة جيو-استراتيجية بين قوى خارجية تسعى إلى زيادة نفوذها داخل أفغانستان كما حصل في تسعينات القرن الماضي، وهذا الخطر المقبل لن يغير منه الرئيس الجديد شيئاً، فهو الآخر يدافع، منذ سنوات، عن إنهاء التدخل في أفغانستان.