الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أطفال داعش ...كرة ثلج متعاظمة

قد يموت الإنسان المتطرّف برصاصةٍ، أمّا الفكر المتطرّف فبحاجةٍ إلى هزيمة الفكر بالفكر وليس بالسلاح فحسب، فقد مرّ أكثر من عامين على هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق أمام قوّات التحالف الدولي عسكريّاً، ولكنْ من المبكّر جدّاً إعلان نهايته، فالفكر المتطرّف لا يزال موجوداً وإنْ كانَ تحت الرّماد، فمفرزات الحرب مع داعش استدعت ولادةَ قضايا خطرة، وأبرز تلك القضايا قضية «أطفال داعش».

الهزائم التي مُنيَ بها التنظيم في سوريا والعراق خلّفت آلاف الأسرى من عناصر التنظيم، والآلاف من الأمّهات والأطفال من عوائل العناصر الإرهابيّة، فعلى سبيل المثال مخيّم «الهُول» في محافظة الحسكة شمال سوريا والخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية وحده يحوي من النساء والأطفال ما يشكّل مدينةً كاملةً، وهو الأمر الذي جعل البعض يطلق على المخيم مسمّى الدويلة، فيسميه «دويلة الهول».

هذا يؤكد أنه لا يمكن الاكتفاء بحجز أولئك الأطفال مع أمهاتهم اللواتي لاتزلن تحت تأثير الفكر المتطرّف الذي يُرضعنه لأولادهن، بدليل العصيان الذي يأتينَ به بين الفينة والأخرى، والاعتداء على مُشرفِي المخيم وتكفيرهم، بل إنّ بعض الأطفال منهم وفي محاورات تلفزيونية أضاءت واقعهم، تجد طفلاً صغيراً يحكم على المذيعة الإعلامية التي تستضيفه بالكفر واستحقاق الموت لمجرّد كونها بدون حِجاب، ممّا يضعنا وجهاً لوجهٍ أمام جيلٍ جديدٍ من الفكر المتطرّف ما لم يتمّ التعامل معه بمنهجيّةٍ واستراتيجيّةٍ علميّةٍ وجدّيةٍ.


إن الاكتفاء الآنيُّ بحجزهم وتركهم فيما يشبه المعتقل مع رفض كلّ دولةٍ من الدول الاعتراف برعاياها من النساء والأطفال وترحيلهم إلى بلدانهم خشية الخطر الإرهابيّ الذي قد يسببونه في أوطانهم ليس حلّاً، إنّما هو ارتباكٌ وتأجيلٌ لأخطارٍ ككرة الثلج، تبدو اليوم صغيرةً ولكنها ستكبر وتتحوّل إلى كوارثَ ونكباتٍ في المستقبل.


الاحتجاز مهما طال ليس مُجدياً، كما أنّ فصل الأطفال عن أمهاتهم يشكّل كارثةً إنسانيّةً، والحلّ يكمن في تظافر الجهود الدولية بالدّعم الكامل والعمل على منهجيّةٍ علمية وفكريةٍ وأنشطةٍ واعيةٍ، لإعادة دمج هؤلاء الأطفال وأولئك النسوة في المجتمع الإنساني عموماً ومجتمعاتهم على وجه الخصوص، من خلال البرامج التعليمية والدينية والتربوية التي تستوعب وتعي ما يحملونه من أفكار وما مرّ بهم من ظروفٍ وغسيلِ أدمغةٍ، لتنتقل بهم إلى الفكر الإنساني الذي يجعل من تقبّل الآخر ومحبّته منهجاً لهم.