الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قصة «الشرطة»

توقفتُ أمام تعبير «بوليس» الذي ينتشر في العالم بأشكال نطق مختلفة، لكنها جميعاً تنتهي إلى معنى واحد وهو الشرطة، بحثتُ عن معنى الكلمة، فعرفت أنها كلمة لاتينية ذات أصل يوناني، وهي تعني المدينة بمعنى المدنيّة والتحضّر، ولا يمكن ازدهار المدنيَّة إلا في ظل الأمن.

ومن هنا نرى العلاقة الوثيقة بين الأمن والرقي الحضاري، فكان جهاز البوليس معنياً بالمحافظة على أمن الدولة ومكتسباتها الحضارية، أما في مصر فمع تولي الخديوي إسماعيل الحكم في سنة 1863 استدعى الضابطين الإيطاليين كارلسيمو والمركيز نيجري، وأوكل إليهما مهمة تشكيل قوة نظامية لحفظ الأمن تحل محل طائفة «القواسة» الأتراك غير النظاميين، مع هذه الطائفة ظهر على السطح مصطلح «البوليس» لأول مرة في تاريخ مصر.

هذا البحث عن أصل الكلمة أغراني للبحث عن تاريخ الشرطة في مصر، فنحن نتعامل معها باعتبارها حقيقة حاضرة ولم نتوقف كثيراً لنعرف تاريخ نشأتها.


يعتقد البعض أن جهاز الشرطة ارتبط في البداية بما اصطلح على اعتباره نشأة الدولة الحديثة مع وصول محمد علي إلى سدة الحكم في مطلع القرن الـ19 مع التنظيمات التي أدخلها لتحديث مصر، لكن التاريخ يثبت عكس ذلك، فجهاز الشرطة عرفته مصر مع بدايات الدولة المصرية القديمة، عندما وحّد الملك نارمر (المشهور بمينا أي المؤسس) مصر في دولة واحدة يحكمها الفرعون، فظهرت الحاجة الماسة لإدارة تنظم أعمال توزيع مياه النيل بين المصريين، فكان جهاز الشرطة، الذي اقتصرت مهمته الأولى على الحرص على توزيع مياه النيل بشكل عادل بين جميع المصريين آنذاك.


د. سليم حسن ـ العالم المصري الشهير في مجال المصريات ـ يشير في موسوعته «تاريخ مصر القديمة»، إلى أن أهمية هذا المنصب جعلت وزير الفرعون يتولّى مهام رئيس الشرطة الأعلى في العاصمة، بالإضافة إلى المحافظة على المؤسسات العامة، ومتابعة العاملين في إدارة الدولة وعزل من يثبت فساده، ناهيك عن حراسة الفرعون من خلال تشكيل الحرس الخاص بالفرعون.

ومع الوقت أصبح منصب «رئيس الشرطة» من أهم الوظائف في الدولة المصرية، ومن بين مهام الشرطة الفرعونية حماية مقابر الفراعنة حتى لا يتعرض لها لصوص الذهب والمقابر، وربما يكون أبرز ما قامت به الشرطة الفرعونية وسجله التاريخ هو ما قام به رئيس الشرطة «سمحو» من إحباط مؤامرة لاغتيال أخناتون فرعون مصر.