الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مكافحة الفساد.. فرض عين

تصادف يوم غدٍ الذكرى الـ17 لليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهي تسمية أدق من «محاربة» الفساد، فالفساد في الأصل آفة، ومن قبل خطيئة حذرنا الله من الوقوع في براثنها.

في الديانات التوحيدية الإبراهيمية مهمة الإنسان على الأرض هي إعمارها، ومعروف عبر التاريخ أن لا فلاح بلا صلاح، وحيثما نخر الفساد خوَت الهمم وخارت القوى وهوى كل شيء معها.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد في بيان حول المناسبة، ضرورة التعافي من كوفيد-19 باستعادة النزاهة، فحتى الجائحة لم تسلم من لعنة أدهى وأمر، هي الفساد بكل أشكاله وأحجامه.


نعلم جميعاً أن حرائق كبرى تشب من «مستصغر الشرر»، فلا فارق بين فساد صغير وكبير، ولا بين فساد الصغير والكبير، فعادة ما تتجه الأنظار إلى فاسدين كبار يتسلمون مواقع المسؤولية المتقدمة في هياكل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكن الكثير من الدمار الذي لحق بالبشرية ما هو في حقيقة الأمر إلا تراكم لفساد صغير هنا وهناك، غفل عنه الكل أو البعض، فصار ظاهرة جارفة بدلاً من أن يبقى فعلاً شاذاً مداناً.


في ثقافتنا العربية تعاملت الصحافة والفنون ومنها السينما مع مصطلحات تشير إلى ذلك النمط من السلوك المنحرف، الذي عوضاً عن تسميته باسمه وهو جريمة فساد، كسرقة المال العام، صار يعرف بالفهلوة والشطارة! ولا يكاد يخلو تقرير سنوي عالمي أو إقليمي أو وطني من الحديث عن ظاهرة أكثر خطورة من السرقة المباشرة من المال العام ألا وهي الهدر.

الهدر لا يقتصر على الموارد المالية أو الموجودات المادية، فما هو أكثر أهمية هو هدر الأصول البشرية، ولا نتحدث هنا عن ظاهرة طرد الكفاءات فيما يعرف بالعقول المهاجرة، وإنما استنزاف تلك العقول، وتكبيل قدراتها الإبداعية.

لقد أظهر «الفيروس الصيني» مدى الحاجة إلى تفعيل معركتنا ضد الفساد، فساد العطاءات على سبيل المثال، العطاءات الطبية بأنواعها من الكمامات والمطاعيم، وحتى قطاعات الطب والتمريض والطب المساند والعلاج البديل.

فلا يعقل بعد عام من تداعيات هذه الجائحة الآتية من ووهان، أن تُرتهن صحتنا لمصنع وراء البحار، يُنتج أجهزة تنفس «فاسدة» في المقابل، وما عاد مقبولاً الاعتراف بحدود سياسية تحول دون تعاون ذوي النوايا الصالحة والفلاح معاً، لما فيه إنقاذ البشر عبر المطاعيم وسواها من العقاقير المساندة على طريق الشفاء.

لقد صارت مكافحة الفساد في زماننا فرض عين لا كفاية، كل منا من موقعه.