السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

كلفة المتاجرة بالبؤس

في رد فعله على ما يجري في بلاده تونس من أحداث واحتجاجات في عدة ولايات، اتهم الرئيس قيس سعّيد من سماهم «المتاجرين بالفقر، الذين ينشطون داخل الظلام» بالوقوف وراء الاحتجاجات.

والحقيقة أن البؤس الاجتماعي يؤدي بالضرورة إلى الاحتجاجات وربما التمرد والثورة، ولولا البؤس لما كان الربيع العربي ليحدث، والبؤس مفهوم عام وله تفاصيل، قمع الحريات بؤس، سوء التعليم بؤس، الفساد الإداري بؤس، ضعف قطاع الصحة بؤس، التفرد بالسلطة بؤس، انتشار الرشوة بؤس، تغول أجهزة الأمن بؤس، وكل هذه المآسي مدعاة فعلاً للثورة.

وفي خضم أحاديث البؤس، قال كثير من النخب: «السبب الرئيسي للثورة ضد استعمار الوطن العربي هو البؤس المتمثل في الظلم والاضطهاد والتهميش، ولو سلك الاستعمار سياسة المساواة الحقيقية بين الأهالي والمعمرين، لبقي في بلداننا إلى يومنا هذا».

وكان من المفروض أن تتم الاستفادة من أسباب الثورة على الاستعمار مباشرة بعد تحقيق الاستقلال الوطني، وكذلك من انتفاضات عام 2011، لكن لم تستطع نخب ما بعد الربيع العربي، سواء الحاكمة في تونس مثلاً أو المتصارعة كحالة ليبيا واليمن وسوريا، أن تحقق الاستقرار والأمن ناهيك عن تحقيق التنمية، فبدأ أمل الشعوب يتراجع ويحلم بما قبل الربيع العربي.

البؤس الجديد، حالياً يتمثل في ضعف الدولة المركزية، وكأن هذه البلدان أصبحت دون دولة، وتعيش في مظاهر فوضى واضحة مثل العراق، ثم هناك بؤس آخر وهي «ضعف النخب» التي غرقت في البحث عن امتيازات خاصة بها، وأهملت جوهر القضية وهي خدمة الشعب وتحقيق التنمية المتعددة الأبعاد، وبدل ذلك توسع الفقر المتعدد الأبعاد.

ثم دعنا نكون صرحاء، إن التعددية السياسية، رغم محاسنها النظرية، في بلادنا العربية لم تؤت بنتائج كبيرة، لأن تقاسم السلطة أصبح عبارة عن تقاسم المنافع بين الأحزاب من جهة، ثم عرقلة المشاريع بسبب الخلافات السياسية أو الأيديولوجية من جهة أخرى.

هذا الكلام، لا ينبغي فهمه على أنه تمجيد للدكتاتورية، ولا دعوة للتمرد والعصيان، إنما هو دعوة للنخب لتجميد الخلافات الأيديولوجية والمتاجرة بالبؤس، لعشرية أو عشريتين وتتفرغ لبناء الدولة على أُسس سليمة أولاً، وما ينطبق على تونس ينطبق أيضاً على الجزائر والمغرب وغيرهما.

ونتائج المتاجرة بالبؤس واضحة للعيان، فأين ليبيا بعد القذافي؟ والعراق بعد صدام؟ واليمن بعد صالح؟ وتونس بعد بن علي؟ وسوريا بعد الثورة؟