الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. الاستدراج والاستدعاء

حركة النهضة التي تتمترس في الدفاع عن التعديل الوزاري الذي كان منطلق الأزمة في تونس منذ حوالي شهر، وتتمسك بهشام المشيشي رئيساً للحكومة، تنتهجُ مسارين متوازيين لا يقل كلاهما خطورة عن الآخر.

فقد دعت حركة النهضة أنصارها وحلفاءها إلى التظاهر و«الاحتجاج»، دعماً لحكومة هشام المشيشي و«حماية للشرعية وللديمقراطية»، وفي لجوئها إلى الشارع استعراض سياسي يتناقض مع موقع النهضة في السلطة، ذلك أن الشارع هو فضاء للاحتجاج على السياسات والمواقف التي تتخذها الحكومات، وليس مكاناً للدعم والمساندة.

وبدعوة أنصارها للتظاهر، فإن النهضة بصدد توجيه رسالة مزدوجة؛ رسالة لأنصارها تتقصد من خلالها ترميم صورتها المهترئة التي أثبتت أرقام سبر الآراء أنها في تراجع مستمر، ورسالة للخصوم تضمر استعدادها للتصعيد والترهيب.


على ذلك فإن دفاع النهضة عن الشرعية في الشارع، هو ممارسة بلا معنى لأن الشرعية تُقيّم بالأرقام والمنجزات لا بالهتافات والتكبير.


تعجز النهضة عن إخفاء فشلها المتكرر في حل الاستعصاء، الذي هيمن على البلاد منذ استقالة حكومة إلياس الفخفاخ، وتأبى الاعتراف بأنها لا تملك أي رؤية للحل، لذلك التفتت إلى تجريب الخارج عله يكون ترياقاً لأزمتها لا لهموم التونسيين.

في لقاء راشد الغنوشي مع السفير الأمريكي، كانت النهضة مركزة على التغيرات السياسية الأمريكية أكثر من سعيها لتشخيص الأزمة في البلاد.. كانت رؤيتها للأزمة خالية من أي تدوير للزوايا، ولذلك تفتق العقل السياسي النهضوي على ضرورة التقاط ما يبشر به صعود جو بايدن إلى سدة الرئاسة.

التقت رغبة النهضة في الاستقواء بالخارج ضد الخصوم، مع رغبة الفريق الأمريكي الجديد في استكشاف المنطقة في حملة دبلوماسية تمهد لصياغة الرؤية الدبلوماسية لبايدن.

على ذلك غمز الغنوشي، خلال لقائه السفير الأميركي، بأن «وضع تونس الجغرافي ونجاح مسارها الانتقالي الديمقراطي، يؤهّلانها إلى أن تكون رأس جسر متقدّماً للتبادل التجاري نحو أفريقيا وبلدان المنطقة»، دون أن ينسى التذكير بأن «الحكومة القائمة حالياً تتمتع بالشرعية التي منحها إياها البرلمان».

في استدعاء الخارج إلى أحجية الأزمة التونسية، اعتراف مضمر بالعجز عن تقديم الحلول، وفي استدراج الشارع صلف سياسي يزيد من سكب الزيت على نار الأزمة. وإذ تنزع النهضة نحو استعراض قوتها في الشارع، وتتوسل دعماً أمريكياً أو خارجياً، فإنها تقدم الأدلة على أنها لا تبحث عن حلول للأزمة، بل تتحسس طرقاً لتحصين مواقعها الحزبية في البلاد.